موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: الرَّدُّ على الجَهْميَّةِ في إنكارِهم الميزانَ


ردَّ العُلَماءُ على مقالةِ الجَهْميَّةِ في إنكارِهم الميزانَ الحقيقيَّ في الآخرةِ، ومن تابعَهم فيها، ومِن أبرَزِ وُجوهِ الرَّدِّ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ قد دلَّا على وُجودِ الميزانِ
ومن ذلك:
1- قَولُ اللهِ تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47] .
2- قَولُ اللهِ سُبحانَه: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون: 102-103] .
وقال جَلَّ وعلا: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة: 6-11] .
3- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّه ليأتي الرَّجُلُ العظيمُ السَّمينُ يومَ القيامةِ لا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَناحَ بَعوضةٍ، وقال: اقرؤوا: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف: 105] )) [273] أخرجه البخاري (4729) واللفظ له، ومسلم (2785). .
4- عن أبي مالكٍ الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ، والحَمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسُبحانَ اللهُ والحَمدُ للهِ تملآنِ -أو: تملأُ- ما بَينَ السَّمواتِ والأرضِ )) [274] أخرجه مسلم (223). .
قال السَّفارينيُّ: (الحاصِلُ أنَّ الإيمانَ ‌بالميزانَ -كأخذِ الصُّحُفِ- ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ) [275] ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 184). .
الوَجهُ الثَّاني: مُخالفةُ رأيِهم في إنكارِ الميزانِ لإجماعِ السَّلَفِ على الإيمانِ به
فقد أجمعَ سلَفُ الأمَّةِ على ثُبوتِ الميزانِ، وأنَّ ذلك من الغَيبِ الذي يجِبُ الإيمانُ به؛ لصِحَّةِ الدَّلائِلِ من الكِتابِ والسُّنَّةِ عليه، وقد نَقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ من أهلِ العِلمِ.
1- قال أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ: (أجمع أهلُ السُّنَّةِ على الإيمانِ ‌بالميزانِ، وأنَّ أعمالَ العبادِ تُوزَنُ يومَ القيامةِ، وأنَّ الميزانَ له لِسانٌ وكِفَّتانِ) [276] حكاه عنه جمعٌ من العلماء: يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (33/ 589)، ((فتح الباري)) لابن حجر (13/ 538). ويُنظر نحوُ هذا النصِّ دونَ ذِكرِ الإجماعِ في: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/ 394). .
2- قال ابنُ القَطَّانِ: (أجمعوا ‌على ‌الإيمانِ ‌والإقرارِ والتصديقِ بالميزانِ الذي توزَنُ به أعمالُ العبادِ، فمن ثَقُلت موازينُه أفلح ونجا، ومن خفَّت موازينُه خاب وخَسِر) [277] ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/ 59). .
3- قال السَّفارينيُّ: (أجمع أكابِرُ مُحقِّقي الأمَّةِ من أهلِ السُّنَّةِ بأنَّ الإيمانَ بثُبوتِ الوَزنِ والميزانِ حَقٌّ واجِبٌ، وفَرضٌ لازِبٌ؛ لثبوتِه بالسَّماعِ، وعدَمِ استحالةِ ذلك عقلًا) [278] ((لوائح الأنوار السنية)) (1/ 179). .
الوَجهُ الثَّالثُ: أنَّ شُبهةَ الجَهْميَّةِ ومن تابعهم بأنَّ الأعمالَ أعراضٌ، والأعراضَ لا تُوزَنُ- مردودةٌ
إذ يقالُ لهم: يستقيمُ هذا إن كان بمعيارِ الدُّنيا، أمَّا في الآخرةِ فالأمرُ مختَلِفٌ، والأمرُ كما قال ابنُ أبي العِزِّ: (لا يُلتفَتُ إلى مُلحِدٍ مُعاندٍ يقولُ: الأعمالُ أعراضٌ لا تقبَلُ الوزنَ، وإنَّما يقبَلُ الوزنَ الأجسامُ؛ فإنَّ اللهَ يقلِبُ الأعراضَ أجسامًا.. ويا خيبةَ من ينفي وَضعَ الموازينِ القِسطِ ليومِ القيامةِ -كما أخبر الشَّارعُ- لخفاءِ الحكمةِ عليه، ويقدَحُ في النُّصوصِ بقَولِه: لا يحتاجُ إلى الميزانِ إلَّا البقَّالُ والفوَّالُ! وما أحراه بأن يكونَ من الذين لا يقيمُ اللهُ لهم يومَ القيامةِ وزنًا! ولو لم يكُنْ من الحِكمةِ في وَزنِ الأعمالِ إلَّا ظهورُ عَدلِه سُبحانَه لجميعِ عبادهِ، فلا أحَدَّ أحَبُّ إليه العُذرُ من اللهِ، ومن أجلِ ذلك أرسلَ الرُّسُلَ مبشِّرينَ مُنذِرينَ، فكيف ووراءَ ذلك من الحِكَمِ ما لا اطِّلاعَ لنا عليه؟!) [279] ((شرح الطحاوية)) (2/612). .

انظر أيضا: