الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: حُكمُ إخراجِ الزَّكاةِ بعد وجوبِها


يجِبُ أداءُ الزَّكاةِ على الفَورِ بعدَ وُجوبِها- إذا أمكَنَ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ ((الشرح الكبير)) للدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/500)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/134). ، والشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/413)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/103). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/133)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/444)، وينظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) – تحقيق كتاب ((وجوب إخراج الزَّكاة على الفور)) لابن رجب (33/126). ، وهو قولٌ للحنفيَّة قال الكَمالُ ابنُ الهُمامِ: (ما ذكَر ابنُ شجاعٍ عَن أصحابِنا أنَّ الزَّكاةَ على التَّراخي يجِبُ حملُه على أنَّ المرادَ بالنَّظَرِ إلى دليلِ الافتراضِ؛ أي: دليلُ الافتراضِ لا يُوجِبُها، وهو لا ينفي وجودَ دليلِ الإيجابِ). ((فتح القدير)) (2/156)، وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/272). ، اختاره الكمالُ ابنُ الهُمامِ قال الكمالُ ابنُ الهُمامِ: (المُختارُ في الأصولِ: أنَّ مُطلَقَ الأمرِ لا يقتضي الفَورَ، ولا التَّراخيَ، بل مُجَرَّد طَلَبِ المأمورِ به، فيجوزُ للمكلَّفِ كلٌّ مِنَ التَّراخي والفَورِ في الامتثالِ؛ لأنَّه لم يُطلَبْ منه الفِعلُ مُقَيَّدًا بأحدهما، فيبقى على خيارِه في المُباحِ الأصليِّ، والوجهُ المختارُ أنَّ الأمرَ بالصَّرفِ إلى الفقيرِ معه قرينةُ الفور، وهي أنَّه لِدَفْعِ حاجَتِه، وهي مُعجَّلةٌ، فمتى لم تجبْ على الفَورِ، لم يحصلِ المقصودُ مِنَ الإيجابِ على وَجهِ التَّمامِ). ((فتح القدير)) (2/155)، وينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/251).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [المنافقون: 10]
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الآيةَ تدلُّ على وُجُوبِ تَعجيلِ أداءِ الزَّكاةِ، ولا يجوزُ تأخيرُها أصلًا، وكذلك سائِرُ العباداتِ، إذا تعيَّن وقتُها ((تفسير القرطبي)) (18/130).
2- قَولُه تعالى: وَآتُوا الزَّكَاةَ
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأصلَ في الأمرِ المطلَقِ أنَّه على الفَورِ، بدليلِ قَولِ اللهِ تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 133] وقَولِه تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ [البقرة: 148] ؛ ولذلك أخرَجَ اللهُ تعالى إبليسَ، وسخِطَ عليه ووبَّخَه، بامتناعِه عَنِ السُّجودِ، ولو أنَّ رجلًا أمَرَ عَبدَه أن يسقِيَه، فأخَّر ذلك، استحقَّ العُقوبةَ ((المجموع)) للنووي (5/335)، ((المغني)) لابن قدامة (2/510)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/186).
1- قَولُ الله تعالى: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141]
وجْهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ الآيةَ تدلُّ على وُجُوبِ المُبادرةِ بإيتاءِ حقِّ الزَّكاةِ، فقَولُه: يَوْمَ حَصَادِهِ يدلُّ على وُجوبِها على الفَورِ.
ثانيًا: من السُّنَّة:
عن عُقبةَ بنِ الحارثِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((صلَّى الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العَصرَ، فأسرعَ ثم دخَل بيتَه، فلم يلبَثْ أن خرَجَ، فقُلتُ له، أو قيلَ له؟ فقال: كنتُ خلَّفتُ في البَيتِ تِبرًا من الصَّدقةِ، فَكرهتُ أنْ أُبيِّتَه، فقَسَمتُه )) رواه البخاري (1430).
ثالثًا: أنَّ الإنسانَ لا يَدري ما يعرِضُ له، فهو إذا أخَّرَ الواجِبَ، يكون مخاطِرًا؛ فقد يموتُ ويبقى الواجِبُ في ذِمَّتِه، وإبراءُ الذِّمَّةِ واجِبٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/327).
رابعًا: أنَّ تأخيرَ الواجِباتِ يلزمُ منه تراكُمُها، وحينئذٍ يُغرِيه الشَّيطانُ بالبُخلِ، إذا كان الواجبُ مِنَ المالِ، أو بالتكاسُلِ إذا كان الواجِبُ مِن الأعمالِ البدنيَّةِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/327).

انظر أيضا: