الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: هلاكُ المالِ بعد وُجوبِ الزَّكاةِ


اختَلف أهلُ العِلمِ في هلاكِ المالِ بعد وُجوبِ الزَّكاةِ على أقوالٍ يُستثنى من ذلك الزَّرعُ والثَّمَرُ إذا تلِف بجائحةٍ قبل القَطعِ؛ فإنَّ زكاتهما تسقُطُ، فإنْ بَقِيَ بعدَ الجائحة ما تجِبُ فيه الزَّكاة زكَّاه. ينظر: (الباب الخامس: باب زكاة الزروع والثمار).  ؛ منها:
القول الأوّل: أنَّ صاحِبَ الزَّكاةِ يضمَنُ الزَّكاةَ إذا هلَك المالُ بعد الوُجوبِ، سواءٌ فرَّط أو لم يُفرِّطْ، وهذا مذهَبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/333)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/103). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 247)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 182)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/511)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (3/183). ، وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ منهم: الزهري، والحكم، وحماد، والثوري. ((المغني)) لابن قدامة (2/511). ، واختاره أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ قال أبو عُبَيد: (القولُ المعمولُ به عندنا في ذلك؛ قولُ الحسَنِ الأوَّلُ، مع موافَقَتِه لإبراهيمَ والحَكَم والزُّهري: أنَّها غيرُ مُجزيةٍ؛ لأنَّ الفَرضَ على الأغنياءِ أداءُ الصَّدقةِ إلى الفقراء، أو إلى الإمام، وأنَّ المضيِّعَ غيرُ مُؤدٍّ لِمَا لَزِمَه؛ قال اللهُ تبارك وتعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: 271] ، وأنَّ هذا لم يُؤتِهم شيئًا. فهذا ما في التضييعِ)، ((الأموال)) (ص: 716)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/511). ، واللَّجنةُ الدَّائمة   ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (9/68).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه حقٌّ متعيِّنٌ على ربِّ المالِ، تَلِف قبل وصولِه إلى مُستحِقِّه، فلم يبرَأْ منه بذلك، كدَينِ الآدميِّ، وصَدقةِ الفِطرِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/270)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/104)، ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (9/68).
ثانيًا: أنَّه إذا تمكَّنَ ولم يؤدِّ صار بالتَّأخيرِ مُفرِّطًا، كالمُودَعِ عنده إذا طُولِبَ بردِّ الوديعةِ، فلم يردَّها حتى هلَكَتْ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/270)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/202).
ثالثًا: أنَّها زكاةٌ قَدَرَ على أدائِها بعد وُجودِها، فوجَبَ أن يلزَمَه ضمانُها، كما لو طالَبَه السَّاعي بها ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/104).
القول الثاني: لا يَضمَنُ إلَّا إذا فرَّط، وهذا مذهبُ المالكيَّة ومن التَّفريطِ عند المالكيَّة: ما إذا عجَّلَ الزَّكاة أو أخَّرها لا بزمنٍ يسيرٍ، أو نقَلَها إلى موضعٍ آخَر. ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/251)، ((الشرح الكبير)) للدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/503). ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ولو تلِفَ النِّصَابُ بغير تفريطٍ مِن المالِكِ لم يضمَنِ الزَّكاةَ على ذلك مِن الروايتينِ، واختاره طائفةٌ من أصحابِ أحمد) ((الفتاوى الكبرى)) (5/369). ، وابنِ سعديٍّ قال ابنُ سعدي: (الصحيح: أنَّه يُعتبَرُ لوجوبِ الزَّكاةِ بقاءُ المالِ إلى التمكُّنِ مِن الأداءِ، وأنَّه إذا تلِف قبل ذلك بلا تفريطٍ لا ضمانَ على صاحِبِه؛ لأنَّه لم يُفرِّطْ، وغايةُ ما يكون أن تكونَ الزَّكاةُ في هذا المالِ كالأمانة التي لا تُضمنُ إلَّا بالتَّفريطِ). ((المختارات الجلية من المسائل الفقهية)) (ص: 74). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الصحيحُ في هذه المسألة: أنَّ الزَّكاةَ بعد وُجوبِها أمانةٌ عنده، والأمينُ إذا لم يتعدَّ ولم يفرِّطْ فلا ضمانَ عليه، ولو أنَّ فقيرًا وضع عند شخصٍ دراهِمَ له، ثم تلِفَت عند المودَع بلا تعدٍّ ولا تفريطٍ، فلا يلزَمُه أن يَضمَنَ للفقيرِ مالَه، فالزَّكاةُ من باب أَوْلى، مع أنَّ الفقيرَ لا يملك الزَّكاةَ إلَّا من جهةِ المزكِّي؛ فكيف يضمَنُ وهو لم يتعدَّ ولم يفرِّطْ؟! فإن تعدَّى بأنْ وضَع المالَ في مكان يُقدَّرُ فيه الهلاكُ، ضمِن ما تَلِفَ من المال بعدَ وجوب الزَّكاة، وكذلك لو فرَّط فأخَّرَ إخراجَها بلا مسوِّغٍ شرعيٍّ، وتلِفَ المال، فإنَّه يَضمَنُ الزَّكاة، أما إذا لم يتعدَّ ولم يفرِّطْ وكان مستعدًّا للإخراجِ وقتَ الإخراج، ولكن جاءه أمرٌ أهلَكَ مالَه فكيف نُضمِّنه؟! فالصواب: أنَّه لا يُشتَرَطُ لوجوبها بقاءُ المالِ، إلا أن يتعدَّى، أو يفرِّط). ((الشرح الممتع)) (6/45، 46).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لم يُفرِّط، وغايةُ ما هنالك أن تكونَ الزَّكاةُ في هذا المالِ كالأمانةِ التي لا تُضمَنُ إلَّا بالتَّفريطِ ((المختارات الجلية من المسائل الفقهية)) للسعدي (ص: 74).
ثانيًا: لو أنَّ فقيرًا وضَع عند شخصٍ دراهمَ له، ثم تلِفَت عند المودَعِ بلا تعدٍّ ولا تفريطٍ، فلا يلزَمُه أن يَضمَنَ للفقيرِ مالَه، فالزَّكاةُ مِن باب أوْلى، مع أنَّ الفقيرَ لا يملِكُ الزَّكاةَ إلَّا من جهة المزكِّي ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/45، 46).

انظر أيضا: