موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الحادي والأربعون: إبْرَاهِيمُ الحَرْبِيُّ (ت: 285 هـ)


أبو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بنُ إسْحَاقَ بنِ إبِرَاهِيمَ بنِ بَشِيرِ بنِ عبدِ اللهِ، البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ [234] نسبةً إلى الحربية، اسم مكان في العراق. يُنظَر: ((الأنساب)) للسمعاني (4/ 111). ، النَّحْويُّ، اللُّغَويُّ، المُفسِّر، أحدُ الأئمَّةِ الأعلامِ.
مَولِدُه:
وُلِد سَنةَ ثمانٍ وتسعين ومِائةٍ.
مِن مشايخِه:
أبو عُبَيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّامٍ، وأحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
ومِن تَلامِذَتِه:
أبو محمَّد بنُ صَاعِدٍ، وأبو بَكْرٍ القَطِيعيُّ، أبو عُمَرَ الزَّاهِدُ صاحِبُ ثَعْلَبٍ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
كان إبْرَاهِيمُ الحَرْبِيُّ إمامًا في العِلْمِ، رأسًا في الزُّهْدِ والفِقْه، بَصِيرًا بالأَحْكَامِ، حَافِظًا للحديثِ، مُميِّزًا لِعَلَلِـه، جمَّاعًا للُّغَة والأَدَب.
قال ثَعْلَب: (ما فَقَدتُ إبراهيمَ الحَربيَّ مِن مَجْلِس لُغَةٍ ولا نَحْوٍ مِن خمسينَ سَنةً!).
وقد قيل عنه: إنَّه لا يُعلَمُ أنَّ بغدادَ أَخْرَجَتْ مِثْلَ إبْرَاهِيمَ الحَرْبِيِّ في الأَدَبِ، والفِقْه، والحديثِ، والزُّهْدِ.
وكان يُقَاس بأحمَدَ بنِ حَنبَلٍ في زُهْدِه وعِلْمِه ووَرَعِه، وقد نَقَل إبْرَاهِيمُ الحَرْبِيُّ عن الإمامِ أحمدَ رحمه الله مسائلَ كثيرةً حَسَنَةً جَيِّدَةً.
ومن زُهْدِه رحمه الله:
أن الخَلِيفَة المُعْتَضِد سَيَّر إليه عَشْرةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فلم يَقْبَلهَا، فقيل له: فرِّقها في جِيرانِك، فقال للرَّسولِ: قُلْ لأمير المؤمنين: هذا مالٌ ما تَعِبْنَا في جَمْعِه، فلا نَتْعَبُ في تَفْرِيقِه، فإن تركَنا أميرُ المُؤمِنينَ، وإلَّا رَحَلْنا مِن جِوَارِه.
وأرسل إليه المُعْتَضِدُ وهو مريضٌ ألْفَ دينارٍ، فلم يقبَلْها وردَّها، فَخَاصَمَتْه ابنتُه، فقال لها: (أتخشَينَ إذا مِتُّ الفَقرَ؟ قالت: نعمْ. قال لها: في تِلْك الزَّاوِيَة اثنا عَشَرَ ألْفَ جُزْءٍ حَديثيَّة ولُغَويَّة وغير ذلك، كتبتُها بخطِّي، فَبِيعِي منها كلَّ يَوْمٍ جُزءًا بدِرْهَم. ومَن له اثْنا عَشَرَ ألْفَ دِرْهَمٍ ليس بِفَقِيرٍ!).
عَقيدتُه:
كان إبراهيمُ رحمه اللهُ على مَذهَبِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ، يعتَقِدُ اعتِقادَ أهلِ السُّنَّةِ، شديدًا على المبتَدِعةِ، مذهبُه مذهَبُ الإمامِ أحمَدَ رَحِمه اللهُ في عَدَمِ الخَوْضِ في المسائِلِ المُستَحْدَثةِ؛ اجتمع عنده النَّاسُ مرَّةً، فقال: (قد كنتُ وَعَدْتُكُم أن أملِيَ عليكم في الاسْمِ والمُسَمَّى، ثم نظرتُ فإذا لم يَتَقَدَّمْني في الكلامِ فيها إمامٌ يُقْتَدَى به؛ فرأيتُ الكلامَ فيه بدعةً، فقام النَّاسُ وانصرفوا) [235] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (13/ 361). .
وقد ترَكَ إبراهيمُ الرِّوايةَ عن عليِّ بنِ المَدِينيِّ لتَقَرُّبِه مِن القاضي المُعتزِليِّ ابنِ أبي دُؤادٍ؛ قال إبراهيمُ: (عِندي عن عليِّ بنِ المَدِينيِّ قِمَطْرٌ، ولا أُحَدِّثُ عنه بشَيءٍ؛ لأنِّي رأَيتُه المغرِبَ وبيَدِه نَعلُه مُبادِرًا، فقلتُ: إلى أينَ؟ قال: ألْحَقُ الصَّلاةَ مع أبي عبدِ اللهِ. فظَنَنتُه يعني أحمدَ بنَ حَنْبلٍ، ثمَّ قلتُ: مَن أبو عبدِ اللهِ؟ قال: ابنُ أبي دُؤادٍ) [236] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (13/ 369). .
وله رِسالةٌ في أنَّ القُرآنَ غيرُ مخلوقٍ، وهي أحسَنُ بيانٍ لاعتِقادِه.
من أقوالِه:
- لا أعْلَمُ عِصابةً خَيْرًا مِن أصْحابِ الحَدِيثِ؛ إنَّما يَغْدُو أَحَدُهُم ومَعهُ مِحْبَرةٌ، فيَقُولُ: كَيْفَ فعَلَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ وكَيْفَ صَلَّى؟ إيَّاكُم أنْ تَجْلِسُوا إلى أهْلِ البِدَعِ؛ فإنَّ الرَّجُلَ إذا أقبَلَ ببِدْعةٍ ليْسَ يُفْلِحُ.
- يَنْبَغي للرَّجُلِ إذا سَمِعَ شَيْئًا مِن أدَبِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَتَمَسَّكَ به.
مُصَنَّفَاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((غريب الحديث)) -وهو مِن أنْفَسِ الكُتُبِ وأكبَرِها في هذا النَّوعِ-، وكتاب: ((غَرِيب الأَدَب))، وكتاب: ((مَنَاسِك الحَج)).
وفاتُه:
تُوفِّي ببغداد سَنةَ خمسٍ وثَمانينَ ومائَتَينِ [237] يُنظَر: ((الثقات)) لابن حبان (8/ 89)، ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (6/ 520)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 161)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (1/ 41)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (1/ 190)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (6/ 703)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (14/ 678)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 58)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 408). .

انظر أيضا: