موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ التَّاسعُ: التَّسْميطُ


وهُو: "أنْ يَجعَلَ الشَّاعرُ البيتَ مِن قَصيدةٍ -أو كلَّ بيتٍ منْها- أرْبعةَ أقْسامٍ؛ ثَلاثةٌ منْها على سجْعٍ واحِدٍ، معَ مُراعاةِ القافِيةِ في الرَّابعِ".
كقولِ الشَّاعِرِ: الطويل
همُ القوْمُ إنْ قالوا أصابوا، وإن دُعُوا
أجابوا، وإنْ أُعْطوا أطَابوا وأجْزَلوا
فقافِيةُ البيتِ -كما تَرى- هي اللَّامُ المَضْمومةُ المُشْبعَةُ بالواوِ المَمْدودةِ، لكنَّ الشَّاعرَ قد قسَّم البيتَ إلى أرْبعةِ أقْسامٍ، جعَل ثَلاثةً منْها تَنْتهي بقافيةِ الباءِ المَضْمومةِ المُشبعَةِ بالواوِ، وهِي: "أصابوا، أجابوا، أطابوا".
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: المتقارب
وحرْبٍ ورَدتُ وثَغْرٍ سدَدْتُ
وعِلْجٍ شدَدْتُ عليه الحِبالا
ومالٍ حَويْتُ وخيْلٍ حمَيْتُ
وضيْفٍ قَريْتُ يَخافُ الوَكالا
فالرَّويُّ في البيتَينِ اللَّامُ المَردوفةُ بألِفِ المدِّ قبلَها، والمُشبعَةُ بالمدِّ بعدَها كذلك، لكنَّ الشَّاعرَ قسَّم كلَّ واحِدٍ مِنَ البيتَينِ أرْبعةَ أقْسامٍ، انْتَهى كلُّ واحِدٍ منْها بقافِيةِ التَّاءِ المَضْمومةِ في "وردتُ، سددتُ، شددتُ، حويتُ، حميتُ، قريتُ".
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: المتقارب
لَزِمتُ السِّفارَ وجُبْتُ القِفارَ
وعِفتُ النِّفارَ لأجْني الفرَحْ
وجُبتُ السُّيولَ ورُضْتُ الخُيولَ
لجرِّ ذُيولِ الصِّبَا والمرَحْ
ومِطتُ الوَقارَ وبِعتُ العَقارَ
لحسْوِ العُقارِ وشُرْبِ القدَحْ
فقسَّم الشَّاعرُ البيتَ الأوَّلَ إلى أربعةِ أقْسامٍ، قفَّى الثَّلاثةَ الأُولى بقافِيةِ الرَّاءِ المَردوفةِ بالمدِّ بالألِفِ في "السِّفار، القِفار، النِّفار"، وفي البيتِ الثَّاني بقافِيةِ اللَّامِ المَردوفَةِ بالمدِّ بالواوِ في "السُّيول، الخُيول، ذُيول"، وفي البيتِ الثَّالثِ بالرَّاءِ المَرْدوفةِ بالمدِّ بالألِفِ في "الوَقار، العَقار، العُقار". والقسْمُ الرَّابعُ في كلِّ بيتٍ انْتَهى بقافيةِ القَصيدةِ ورَويِّها، وهُو الحاءُ السَّاكنةُ في "الفرَح، المرَح، القدَح".
وقد يَتعدَّى الأمرُ ذلك إلى أنْ يُصبِحَ كلُّ شطْرٍ في البيتَينِ بمَنْزِلةِ القِسْمِ في البيتِ الواحِدِ، فيكونَ في كلِّ بيتَينِ في القَصيدةِ تَسْميطٌ، كقولِ الحَريريِّ: الهزج
أيَا مَنْ يدَّعي الفَهْمْ
إلى كمْ يا أخا الوَهْمْ
تُعبِّي الذَّنبَ والذَّمْ
وتُخطي الخَطأَ الجَمْ
أمَا بان لكَ العَيبْ
أمَا أنْذرَك الشَّيبْ
وما في نُصْحِه رَيْبْ
ولا سَمْعُك قد صَمْ
أمَا نادى بكَ الموْتْ
أمَا أسْمَعكَ الصَّوتْ
أمَا تَخْشى مِنَ الفوْتْ
فتَحتاطَ وتَهتمْ
فكمْ تَسدُرُ في السَّهوْ
وتَخْتالُ مِنَ الزَّهوْ
وتَنصبُّ إلى اللَّهوْ
كأنَّ الموْتَ ما عمْ
وحتَّامَ تَجافيك
وإبطاءُ تَلافيك
طِباعًا جمَعتْ فيك
عُيوبًا شمْلُها انضمْ
فباسْتِثناءِ البيتَينِ الأوَّلَين ففي سائِرِ الأبْياتِ تَسْميطٌ بينَ كلِّ بيَتينِ؛ فالبيتُ الثَّالثُ وصدرُ الرَّابعِ جاءت حُروفُ رويِّها باءً ساكِنةً مَردوفةً بالياءِ في "العيبْ، الشيبْ، ريبْ"، والخامِسُ وصدرُ السَّادسِ كذلك جاءت قَوافي كلِّ واحِدٍ على التَّاءِ السَّاكِنةِ المَردوفَةِ بالواوِ اللَّينةِ في "الموتْ، الصوتْ، الفوتْ".
كذلك البيتُ السَّابعُ وصدرُ الثَّامنِ في "السَّهوْ، الزَّهوْ، اللهوْ" بقافِيةِ الواوِ السَّاكنةِ، وقد الْتزمَ الشَّاعرُ قبلَها حرْفَ الهاءِ السَّاكِنةِ بعدَ فتْحٍ. كذلك البيتُ التَّاسعُ وصدرُ الأخيرِ؛ حيثُ جاءت القافِيةُ فيها كافًا ساكنةً مَرْدوفةً بالياءِ المَمْدودةِ، وقد الْتزمَ الشَّاعرُ أيضًا قبلَ الرَّدفِ حرْفَ الفاءِ في: "تَجافيك، تَلافيك، فِيك".
والرَّويُّ الأصْليُّ للقَصيدةِ هو حرْفُ المِيمِ السَّاكنةِ، كما ظهَر في البيتَينِ الأوَّلَينِ، وفي عجُزِ البيتِ الرَّابعِ والسَّادسِ والثَّامنِ والأخيرِ، في كَلِماتِ: "الفَهْم، الوَهْم، صَم، وتَهْتم، عَم، انْضَم" [485] ينظر: ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (7/ 147)، ((أنوار الربيع في أنواع البديع)) لابن معصوم (6/190). .

انظر أيضا: