موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّالثُ: المُوازَنةُ


وهِي: "أنْ يُراعيَ في الكَلمتَينِ الأَخيرتَينِ مِنَ القَرينتَينِ الوزْنَ، معَ اخْتِلافِ الحرْفِ الأخيرِ فيهما".
وهذا نَقيضُ السَّجْعِ الَّذي هو مُراعاةُ اتِّفاقِ الحرْفِ الأخيرِ في الكَلمتَينِ؛ ولهذا لم تدخُلِ المُوازنةُ في أقْسامِ السَّجْعِ، وإن عدَّها بعضُ البَلاغيِّينَ نوعًا منه.
فمنها قولُه تعالى: وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية: 15-16] ؛ فكلٌّ مِن كَلمتَيِ: "مَصْفوفة" و"مَبْثوثة" على وزْنِ "مُسْتَفْعِلْ"، غيرَ أنَّهما اخْتَلفتا في القافِيةِ؛ فالأُولى قافِيتُها الفاءُ المَفْتوحةُ المُشْبعَةُ بالهاءِ السَّاكنةِ، والأخرى الثَّاءُ المَفْتوحةُ المُشْبعَةُ بالهاءِ كذلك.
والاعْتِبارُ في المُوازنةِ على تَسْكينِ الحرْفِ الأخيرِ، مِثلَما كان في السَّجْعِ؛ ولِهذا كانتِ القافِيةُ هي الحرْفَ قبلَ التَّاءِ المَرْبوطةِ، وكانتِ التَّاءُ هاءً للوقْفِ عليها.
ومنه كذلك قولُه تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا * أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم: 81 - 84] .
فإنَّ بينَ كَلِماتِ: "عِزًّا، ضِدًّا" اتِّفاقًا في الوزْنِ واخْتِلافًا في القافِيةِ، وكذلك "أزًّا، عدًّا". والمَلحوظُ أنَّ الآياتِ جاءت فواصِلُها على حَرفَيِ الزَّايِ والدَّالِ، غيرَ أنَّه لم تتَّفقْ آيَتانِ مُتوالِيتانِ بنفْسِ القافِيةِ.
فإنْ كان ما في إحدى القَرينتَينِ مِنَ الألْفاظِ أو أكْثرُ ما فيها مِثلَ ما يُقابِلُه مِنَ الأخْرى في الوزْنِ؛ خُصَّ باسمِ المُماثَلةِ، كقَولِه تعالى: وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الصافات: 117-118] ؛ فكَلمةُ: "الكِتابِ" تتَّفقُ في الوزْنِ العَروضيِّ معَ كَلمةِ "الصِّراطِ"؛ فوزْنُهما العَروضيُّ: "فاعِلاتُ"، واخْتَلفا في القافِيةِ؛ فالأُولى قافِيتُها الباءُ، والثَّانيةُ قافِيتُها الطَّاءُ، كما أنَّ كَلمتَيِ القَرينتَينِ: "المُستَبين" و"المُستَقيم" على نفْسِ الوزْنِ العَروضيِّ والصَّرفيِّ أيضًا، مع اخْتِلافِهما في النُّونِ والمِيمِ مِن حرفَيِ القافِيةِ فيهما.
ومِنَ المُماثَلةِ في الشِّعرِ أيضًا قولُ أبي تَمَّامٍ: الطويل
مَها الوحْشِ إلَّا أنَّ هاتا أوَانِسٌ
قَنا الخَطِّ إلَّا أنَّ تلك ذَوابِلُ
فبيْنَ شطْرَيِ البيتِ مُماثلةٌ في كلِّ كَلمةٍ منه؛ فبينَ "مَها"، "قَنا" اتِّفاقٌ في الوزْنِ، فكلٌّ منْهما وتَدٌ مَجْموعٌ [476] (الوتَدُ المجموعُ: هو ما يتألَّفُ من ثلاثةِ أحرُفٍ، أوَّلُها وثانيها مُتحَرِّكانِ، والثَّالِثُ ساكِنٌ، نحو: إلى، على، نعم، مضى). ينظر: ((علم العروض والقافية)) لعبد العزيز عتيق (ص: 18). ، واخْتِلافٌ في القافيةِ بينَ الهاءِ والنُّونِ، وبينَ "الوَحْشِ" و"الخَطِّ" كذلك؛ فكلِاهما على وزْنِ "مُسْتَفْعِ"، واخْتِلافُ الشِّينِ والطَّاءِ في القافيةِ. وقد تَكرَّرتْ "إلا أنَّ" في الشَّطرَينِ، واخْتَلفتْ "هاتا" و"تلك" في القافيةِ والوزْنِ، إلَّا أنْ تُشبَعَ فَتحةُ الكافِ فيتَّفقا وزْنًا. وبينَ "أوانسٌ" و"ذوابلُ" اتِّفاقٌ في الوزْنِ؛ فكِلاهما على وزْنِ: "مَفاعِلن"، واخْتَلفا في القافيةِ [477] ينظر: ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 364)، ((مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح)) لابن يعقوب المغربي (2/ 52). .

انظر أيضا: