موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الرَّابعُ: التَّصْريعُ


التَّصْريعُ: نَوعٌ مِن أنْواعِ السَّجْعِ خاصٌّ بالشِّعرِ، تَغييرٌ يَلحَقُ تَفْعيلةَ عَروضِ بيتِ الشِّعرِ لتُوافِقَ تَفْعيلةَ الضَّرْبِ.
فمنه قولُ امْرِئِ القَيْسِ: الطويل
ألَا عِمْ صَباحًا أيُّها الطَّللُ البالي
وهل يَعِمَنْ مَنْ كان في العُصُرِ الخالي
فجاءت تَفْعيلةُ العَروضِ (لَلُ البالي) على وزْنِ "مَفاعيلنٌ"، وقافِيتُها اللَّامُ المَكْسورةُ المُشْبَعةُ بمدٍّ وقبلَها ألِفٌ مَمْدودةٌ؛ لتَتوافَقَ معَ تَفْعيلةِ الضَّرْبِ (صُرُ الخالي) في الوزْنِ والقافِيةِ كذلك.
معَ أنَّ عَروضَ بحْرِ الطَّويلِ الَّذي يُنسَبُ البيتُ إليه لا تَأتي تامَّةً على وزْنِ "مَفاعيلن"، بل تَأتي مَقْبوضةً دائِمًا بحذْفِ الحرْفِ الخامِسِ السَّاكِنِ، فتُصبِحُ "مَفاعِلن"، كما في باقي القَصيدةِ الَّتي منْها هذا البيْتُ:
وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعيدٌ مُخلَّدٌ
قَليلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بأوْجَالِ
فتَفْعيلةُ العَروضِ هنا "مُخلَّدٌ" على وزْنِ: "مَفاعِلن".
وإنَّما جازَ ذلك في البيتِ الأوَّلِ للتَصْريعِ، وهُو أنَّ التَّفْعليتَينِ اتَّفقتا في الوزْنِ والقافِيةِ.
ولِهذا عِيبَ على المُتنبِّي قولُه: الطويل
تَفَكُّرُهُ عِلمٌ ومَنْطقُهُ حُكْمٌ
وباطِنُه دِينٌ وظاهِرُه ظَرْفُ
فقد أتى بتَفْعيلةِ العَروضِ "قُهُ حُكمٌ" على وزن: "مَفاعيلن" مِن غيرِ أنْ يكونَ بينَها وبينَ الضَّرْبِ تَصْريعٌ؛ فقَافيةُ العَروضِ مِيمٌ وقافِيةُ الضَّرْبِ فاءٌ.
ومِنَ التَّصْريعِ أيضًا قولُ أوْسِ بنِ حَجَرٍ: البسيط
وَدِّع لَميسَ وَداعَ الصارِمِ اللَّاحي
إِذ فَنَّكَتْ في فَسادٍ بعدَ إِصلاحِ
إِذ تَستَبيكَ بِمَصقولٍ عَوارِضُهُ
حَمشِ اللِّثاتِ عِذابٍ غَيرِ مِملاحِ
وَقَد لَهَوتُ بِمِثلِ الرِّئمِ آنِسَةً
تُصبي الحَليمَ عَروبٍ غيرِ مِكلاحِ
فعَروضُ البيتِ الأوَّلِ: "لاحي" بوزْنِ: "فَاعِلْ" مُتوافِقةٌ معَ الضَّرْبِ: "لاحي" بعدَ إشْباعِ كسْرةِ الحاءِ فيه، في حينِ أنَّ عَروضَ الأبْياتِ بعدَها: "رِضُهُ"، "نِسَة" على وزن "فَعِلُن".
وأكْثرُ الشُّعراءِ يَبدؤونَ قَصائِدَهم بالتَّصْريعِ؛ كأنَّهم يُريدونَ أنْ يُبادِروا ببَيانِ قافِيةِ البيتِ والقَصيدةِ، حتَّى قبلَ نِهايةِ البيتِ الأوَّلِ فيها [478] ينظر: ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (1/ 173)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (4/ 659). .

انظر أيضا: