موسوعة الأخلاق والسلوك

و- نماذِجُ من الكَرَمِ والجُودِ عندَ السَّلَفِ ومَن بَعْدَهم


1- قال محمَّدُ بنُ صُبَيحٍ: (لمَّا قدِمَ أبو الزِّنادِ الكوفةَ على الصَّدَقاتِ، كَلَّم رجلٌ حمَّادَ بنَ أبي سُليمانَ في رجُلٍ يُكَلِّمُ له أبا الزِّنادِ، يستعينُ في بعضِ أعمالِه، فقال حمَّادٌ: كم يُؤَمِّلُ صاحبُك من أبي الزِّنادِ أن يصيبَ معه؟ قال: ألفَ دِرهَمٍ. قال: فقد أمَرْتُ له بخَمسةِ آلافِ دِرهَمٍ، ولا يُبذَلُ وَجهي إليه! قال: جزاك اللهُ خيرًا، فهذا أكثَرُ ممَّا أمَّلَ ورجا. قال عثمانُ: وقال ابنُ السَّمَّاكِ: فكلَّمه آخَرُ في ابنِه أن يحَوِّلَه من كُتَّابٍ إلى كُتَّابٍ، فقال للذي يُكَلِّمُه: إنَّما نعطي المعَلِّمَ ثلاثين كُلَّ شهرٍ، وقد أجريناها لصاحِبِك مائةً، دعِ الغلامَ مكانَه) [2852] يُنظَر: ((الكرم والجود وسخاء النفوس)) للبرجلاني (ص: 57). .
3- وقال عبدُ اللهِ بنُ الوَسيمِ الجمَّالُ: (أتينا عِمرانَ بنَ موسى بنِ طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ نسألُه في دَينٍ على رجُلٍ من أصحابِنا، فأمر بالموائِدِ فنُصِبَت، ثمَّ قال: لا، حتَّى تصيبوا من طعامِنا، فيجِبُ علينا حَقُّكم وذِمامُكم، قال: فأصَبْنا من طعامِه، فأمَرَ لنا بعَشَرةِ آلافِ دِرهَمٍ في قضاءِ دَينِه، وخمسةِ آلافِ دِرهَمٍ نَفقةً لعيالِه) [2853] يُنظَر: ((الكرم والجود وسخاء النفوس)) للبرجلاني (ص: 55). .
4- و(كان ناسٌ من أهلِ المدينةِ يعيشون لا يدرون من أين كان معاشُهم، فلمَّا مات عليُّ بنُ الحُسَينِ فقدوا ذلك الذي كانوا يُؤتَون باللَّيلِ) [2854] يُنظَر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/393). .
5- وقال أبو السَّوَّارِ العَدَويُّ: (كان رجالٌ من بني عَدِيٍّ يُصَلُّون في هذا المسجدِ، ما أفطَر أحدٌ منهم على طعامٍ قَطُّ وَحْدَه، إن وجَد من يأكُلُ معه أكَل، وإلَّا أخرج طعامَه إلى المسجِدِ، فأكله مع النَّاسِ، وأكَل النَّاسُ معه) [2855] يُنظَر: ((الكرم والجود وسخاء النفوس)) للبرجلاني (ص: 53). .
- (وخرج عبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ إلى ضِياعِه يَنظُرُ إليها، فإذا في حائطٍ لنَسيبٍ له عبدٌ أسوَدُ، بيَدِه رغيفٌ وهو يأكُلُ لُقمةً، ويطرَحُ لكَلبٍ لقمةً، فلمَّا رأى ذلك استحسَنه، فقال: يا أسوَدُ! لمن أنت؟ قال: لمصعَبِ بنِ الزُّبَيرِ. قال: وهذه الضَّيعةُ لمن؟ قال: له. قال: لقد رأيتُ منك عَجَبًا، تأكُلُ لُقمةً، وتطرَحُ للكَلبِ لُقمةً! قال: إنِّي لأستحيي من عينٍ تنظُرُ إليَّ أن أوثِرَ نفسي عليها! قال: فرجَع إلى المدينةِ، فاشترى الضَّيعةَ والعبدَ، ثمَّ رجع، وإذا بالعبدِ، فقال: يا أسوَدُ! إنِّي قد اشتريتُك من مصعَبٍ. فوثَب قائمًا، وقال: جعَلني اللهُ عليك ميمونَ الطَّلعةِ. قال: وإني اشتريتُ هذه الضَّيعةَ. فقال: أكمَلَ اللهُ لك خَيرَها. قال: وإني أشهَدُ أنَّك حُرٌّ لوجهِ اللهِ. قال: أحسَنَ اللهُ جزاءَك. قال: وأُشهِدُ اللهَ أنَّ الضَّيعةَ منِّي هَدِيَّةٌ إليك. قال: جزاك اللهُ بالحُسنى. ثمَّ قال العبدُ: فأُشهِدُ اللهَ وأُشهِدُك أن هذه الضَّيعةَ وقف منِّي على الفُقَراءِ. فرجع وهو يقولُ: العبدُ أكرَمُ منَّا) [2856] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (13/ 363). .
- عن الدراورديِّ قال: (قيل لمعاويةَ بنِ عبدِ الله بنِ جعفرٍ: ما بلَغ مِن كرمِ عبدِ الله بنِ جعفرٍ؟ قال: كان ليسَ له مالٌ دونَ النَّاسِ، هو والنَّاسُ في مالِه شركاءُ؛ مَن سألَه شيئًا أعطاه، ومَن اسْتَمْنحه شيئًا منَحه إيَّاه، لا يرَى أنَّه يفتقِرُ فيُقصِرَ، ولا يرَى أنَّه يحتاجُ فيَدَّخِرَ) [2857] ((اصطناع المعروف)) لابن أبي الدنيا (ص: 97). .
- (وعن عليِّ بنِ بكَّارٍ قال: كنَّا جُلوسًا عندَ الجامعِ بالمِصِّيصةِ، وفينا إبراهيمُ بنُ أدهَمَ، فقَدِم رجلٌ من خُراسانَ، فقال: أيُّكم إبراهيمُ بنُ أدهَمَ؟ فقال القومُ: هذا -أو قال: أنا هو- قال: إنَّ إخوتَك بعثوني إليك، فلمَّا سمع ذِكرَ إخوتِه قام فأخذ بيَدِه، فنحَّاه، فقال: ما جاء بك؟ قال: أنا مملوكُك مع فَرَسٍ وبغلةٍ وعَشَرةِ آلافِ دِرهَمٍ، بعث بها إليك إخوتُك، قال: إن كنتَ صادِقًا فأنت حُرٌّ، وما معك فلك، اذهَبْ، فلا تخبِرْ أحدًا، قال: فذَهَب) [2858] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 383). .
- (وعن يزيدَ بنِ مَيسَرةَ قال: كان إبراهيمُ يُطعِمُ النَّاسَ والمساكينَ أسمَنَ ما يكونُ مِن غَنَمِه، ويذبَحُ لأهلِه المهزولَ والرَّديءَ منها؛ فكان أهلُه يقولون له: أتذبَحُ للنَّاسِ والمساكينِ السَّمينَ من غَنَمِك، وتُطعِمُنا المهزولَ؟ فقال إبراهيمُ: بِئسَ مالي إن التُمِسَ خيرُ ما عندَ رَبِّي بشَرِّ مالي) [2859] ((حلية الأولياء)) (5/ 238). .
- وعن أبي ثَورٍ قال: كان الشَّافعيُّ من أجوَدِ النَّاسِ وأسمَحِهم كَفًّا، كان يشتري الجاريةَ الصَّناعَ التي تَطبُخُ وتعمَلُ الحَلوى ... ثمَّ يأتينا، فيقولُ لنا: تَشَهَّوا ما أحبَبْتُم، فقد اشتريتُ جاريةً تُحسِنُ أن تعمَلَ ما تريدون، فيقولُ لها بعضُ أصحابِنا: اعمَلي لنا كذا وكذا، فكُنَّا نأمُرُها بما نريدُ، وهو مسرورٌ بذلك [2860] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (9/ 133). .
- وعن أبي ثَورٍ قال: أراد الشَّافعيُّ الخُروجَ إلى مكَّةَ ومعه مالٌ، فقُلتُ له -وقلَّما كان يمسِكُ الشَّيءَ من سماحتِه-: ينبغي أن تشتريَ بهذا المالِ ضَيعةً تكونُ لوَلَدِك من بعدِك، فخرج ثمَّ قَدِم علينا، فسألتُه عن ذلك المالِ ما فعَل به، فقال: ما وجَدْتُ بمكَّةَ ضَيعةً يُمكِنُني أن أشتريَها، لمعرفتي بأصلِها، أكثَرُها قد وُقِفَت عليه، ولكِنْ قد بنيتُ بمكَّةَ بيتًا يكونُ لأصحابِنا، ينزِلون فيه إذا حَجُّوا [2861] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (9/ 127). .
- وعن أبي داودَ الطَّيالِسيُّ قال: كنَّا عندَ شُعبةَ، فجاء سُلَيمانُ بنُ المُغيرةِ يبكي، فقال له شُعبةُ: ما يُبكيك يا أبا سعيدٍ؟ قال: مات حماري، وذهَبَت مني الجُمُعةُ، وذهبَت حوائجي، قال: فبكم أخَذْتَه؟ قال: بثلاثةِ دنانيرَ، قال: فعندي ثلاثةُ دنانيرَ، واللهِ ما أملِكُ غيرَها، يا غلامُ هات تلك الصُّرَّةَ، فإذا فيها ثلاثةُ دنانيرَ، فدفَعَها إليه، وقال: اشتَرِ بها حِمارًا ولا تَبْكِ [2862] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 146). .
- وعن جميلِ بنِ مُرَّةَ قال: كان مُوَرِّقٌ رحمه اللهُ يجيئنا فيقولُ: أمسِكوا لنا هذه الصُّرَّةَ، فإن احتجْتُم فأنفِقوها، فيكونُ آخِرَ عَهدِه بها!
وكان مُوَرِّقٌ يتَّجِرُ فيُصيبُ المالَ، فلا يأتي عليه جُمُعةٌ وعندَه منه شيءٌ! وكان يأتي الأخَ فيعطيه الأربَعَمائةِ والخَمسَمائةِ، ويقولُ: ضَعْها لنا عندَك، ثمَّ يلقاه بَعْدُ، فيقولُ: شأنُك بها، لا حاجةَ لي فيها [2863] يُنظَر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/351). ويُنظَر: ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (3/ 250). .
- (وكان البوشنجيُّ جوادًا سخيًّا، وكان يُقدِّمُ لسنانيرِه مِن كلِّ طعامٍ يأكلُه، وبات ليلةً ثمَّ ذكَر السَّنانيرَ بعدَ فراغِ طعامِه، فطبَخ فى الليلِ مِن ذلك الطعامِ وأطعَمهم) [2864] ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (2/ 191). .
- وعن خزيمةَ أبي محمدٍ العابدِ قال: أتَى جعفرٌ الأحمرُ يحيى بنَ سلمةَ بنِ كهيلٍ يستقرِضُ منه ثلاثينَ دينارًا، فقال: يا أخي لم أردْتَ أنْ تُذِلَّ نفسَك بمجيئِك إليَّ، ألا كتبتَ إليَّ برُقعةٍ حتى أبعثَ بها إليك؟ فلمَّا حُضِر جعفرٌ قيل ليحيى: حلِّلْه منها، قال: ما دَفعْتُها إليه وأنا أريدُ أنْ آخذَها منه [2865]  ((اصطناع المعروف)) لابن أبي الدنيا (169)، ((قضاء الحوائج)) لابن أبي الدنيا (109). .
- وعن عبدِ الله بنِ صالحٍ، قال: (صحِبْتُ الليثَ، عشرينَ سنةً لا يتغدَّى، ولا يتعشَّى وحدَه إلَّا معَ النَّاسِ, وكان لا يأكلُ اللحمَ إلَّا أنْ يمرضَ) [2866] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 321)، ((تاريخ بغداد)) للخطيب (14/ 531، 532). .
وقال قتيبةُ بنُ سعيدٍ: (كان الليثُ بنُ سعدٍ يستغلُّ عشرينَ ألفَ دينارٍ في كلِّ سنةٍ، وقال: ما وجَبتْ عليَّ زكاةٌ قطُّ، وأعطَى ابنَ لهيعةَ ألفَ دينارٍ، وأعطَى مالكَ بنَ أنسٍ ألفَ دينارٍ، وأعطَى منصورَ بنَ عمَّارٍ ألفَ دينارٍ، وجاريةً تسوَى ثلاثَ مائةِ دينارٍ.
قال: وجاءَتْ امرأةٌ إلى الليثِ، فقالَتْ: يا أبا الحارثِ إنَّ ابنًا لي عليلٌ، واشْتَهى عسلًا، فقال: يا غلامُ أعطِها مرطًا مِن عسلٍ، والمرطُ عشرونَ ومائةُ رطلٍ) [2867] ((تاريخ بغداد)) للخطيب (14/ 530). .

انظر أيضا: