موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من تواضُعِ السَّلَفِ


تواضُعُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ:
- (كان عِندَ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ قومٌ ذاتَ ليلةٍ في بعضِ ما يحتاجُ إليه، فغشِيَ سراجُه، فقام إليه فأصلحَه، فقيل له: يا أميرَ المُؤمِنين! ألا نكفيك؟ قال: وما ضَرَّني؟ قمتُ وأنا عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ، ورجَعتُ وأنا عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ) [2323] ((سيرة عمر بن عبد العزيز)) لابن عبد الحكم (ص: 46). .
- (ونادى رجلٌ أميرَ المُؤمِنين عُمَرَ بنَ عبدِ العزيزِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: يا خليفةَ اللَّهِ في الأرضِ! فقال له عُمَرُ: مه [2324] اسمٌ مبنيٌّ على السُّكونِ، بمعنى اسكُتْ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/ 377). ! إني لمَّا وُلِدتُ اختار لي أهلي اسمًا، فسَمَّوني عُمَرَ، فلو ناديتَني: يا عُمَرُ، أجَبتُك. فلمَّا كِبرتُ اخترتُ لنفسي الكُنى، فكُنِّيتُ بأبي حفصٍ، فلو ناديتَني: يا أبا حفصٍ، أجبتُك. فلمَّا ولَّيتموني أمورَكم سمَّيتُموني أميرَ المُؤمِنين، فلو ناديتَني: يا أميرَ المُؤمِنين، أجَبتُك. وأما خليفةُ اللَّهِ في الأرضِ فلستُ كذلك!) [2325] ((سيرة عمر بن عبد العزيز)) لابن عبد الحكم (51، 52). .
- وقال سعيدُ بنُ سُوَيدٍ: (صلَّى بنا عُمَرُ بنُ عبِد العزيزِ الجُمُعةَ، ثمَّ جلس وعليه قميصٌ مرقوعُ الجيبِ من بَيْنِ يديه ومن خَلفِه، فقال له رجلٌ: يا أميرَ المُؤمِنين، إنَّ اللَّهَ قد أعطاك فلو لبِستَ؟ فنَكسَ رأسَه مَليًّا [2326] مليًّا: أي: طويلًا. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (15/291). ، ثمَّ رفع رأسَه، فقال: إنَّ أفضَلَ القصدِ عِندَ الجِدَةِ، وإنَّ أفضَلَ العَفوِ عِندَ القُدرةِ!) [2327] رواه ابنُ أبي الدنيا في ((التواضع والخمول)) (156)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (5/261)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (45/207). .
تواضُعُ أحمدَ بنِ حَنبلٍ:
قال المَرُّوذيُّ: (لم أرَ الفقيرَ في مجلِسٍ أعَزَّ منه في مجلِسِ أحمَدَ؛ كان مائِلًا إليهم، مُقصِرًا عن أهلِ الدُّنيا، وكان فيه حِلمٌ، ولم يكُنْ بالعَجولِ، وكان كثيرَ التَّواضُعِ، تعلوه السَّكينةُ والوقارُ، وإذا جلَس في مجلِسِه بعدَ العَصرِ للفُتيا لا يتكَلَّمُ حتَّى يُسأَلَ، وإذا خرج إلى مسجدِه لم يتصَدَّرْ) [2328] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/218). .
(وكان رُبَّما خرج إلى البقَّالِ، فيشتري الجُرزةَ [2329] الجُرزة: الحُزمة من القَتِّ ونحوِه. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/317). الحَطَبَ والشَّيءَ فيَحمِلُه بيَدِه) [2330] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/209). .
وقال يحيى بنُ مَعينٍ: (ما رأيتُ مِثلَ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ! صَحِبناه خمسين سنةً ما افتخر علينا بشيءٍ ممَّا كان فيه من الصَّلاحِ والخيرِ) [2331] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (9/ 181). .
وقال إسماعيلُ بنُ إسحاقَ الثَّقفيُّ: (قُلتُ لأبي عبدِ اللَّهِ أوَّلَ ما رأيتُه: يا أبا عبدِ اللَّهِ، ائذَنْ لي أن أقَبِّلَ رأسَك. فقال: لم أبلُغْ أنا ذاك) [2332] ((الآداب الشرعية)) لابن مُفلِح (2/258). .
وقال أحمدُ بنُ الحَسَنِ التِّرمذيُّ: (رأيتُ أبا عبدِ اللَّهِ يشتري من السُّوقِ الخُبزَ ويحمِلُ بنفسِه في الزِّنبيلِ، ورأيتُه يشتري الباقِلَّا غيرَ مرَّةٍ ويجعلُه في زبديَّةٍ أو شيءٍ آخَرَ، فيَحمِلُه وهو آخِذٌ بيَدِ عبدِ اللَّهِ ابنِه) [2333] ((الآداب الشرعية)) لابن مُفلِح (2/ 28)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/ 310). .
وقال خلفٌ: (جاءني أحمدُ بنُ حنبلٍ يسمَعُ حديثَ أبي عوانةَ، فاجتهَدْتُ أنْ أرفعَه، فأبَى وقال: لا أجلِسُ إلَّا بينَ يديكَ، أُمِرْنا أنْ نتواضَعَ لمَن نتعَلَّمُ منه) [2334] ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) للخطيب البغدادي (1/ 198). .
نماذجُ أُخرى:
- عن سُفيانَ بنِ عُيينةَ قال: (كان أبو سِنانٍ -ضرارُ بنُ مرَّةَ- يشتري الشَّيءَ من السُّوقِ فيحمِلُه، فيأتيه الرَّجلُ فيقولُ: يا أبا سنانٍ، أنا أحملُه لك! فيأبى، ثمَّ يقول: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل: 23] ). قال سُفيانُ: وسمِعتُ أبا سنانٍ يقولُ: (حَلبتُ الشَّاةَ منذُ اليومِ، واستقيتُ لأهلي راويةً [2335] الرَّاويةُ: المزادةُ فيها الماءُ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (14/ 346). من ماءٍ، وكان يقالُ: خيرُكم أنفعُكم لأهلِه) [2336] ((المعرفة والتاريخ)) ليعقوب بن سفيان (2/ 710)، ((شعب الإيمان)) للبيهقي (10/ 491). .
- ورُئي ابنُ المباركِ وعلى عاتقهِ طُنٌّ [2337] الطُّنُّ: الحُزمةُ من القَصَبِ والحَطَبِ. يُنظَر: ((العين)) للخليل (7/ 405). من حطَبٍ يدخُلُ خانَ قُرَيشٍ [2338] يُنظَر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (1/ 278). ، ورُئيَ حافيًا بلا خُفٍّ ولا نعلٍ في شِرى حوائجِه في السُّوقِ [2339] يُنظَر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (1/ 278). !
- وعن عيسى بنِ يُونُسَ قال: (كنَّا بأرضِ الرُّومِ أنا وابنُ المبارَكِ، فربَّما استحييتُ من خدمةِ ابنِ المبارَكِ إياي؛ يأخُذُ بركابي، فإذا نزَلْنا قَدَّم لنا الخَبيصَ [2340] الخَبيصُ: المعمولُ من التَّمرِ والسَّمنِ، حَلواءُ يُخبَصُ بعضُه في بعضٍ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (17/ 542). فيُلقِمُني ويقعُدُ فيسألُني عن الحديثِ ويكتُبُ، فأقولُ: يا شيخُ -من صُنعِه وبِرِّه لي- للهِ أبوك! أمَا آن لك أن تشبَعَ؟! فيقولُ: ومَن يشبَعُ من هذا الشَّأنِ؟!) [2341] يُنظَر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (1/ 278، 279). .
- وعن فُضَيلِ بنِ عياضٍ قال: (أخذتُ بيَدِ سُفيانَ بنِ عُيينةَ في هذا الوادي، فقلتُ له: إن كنتَ تظُنُّ أنَّه بقيَ على وجهِ الأرضِ شَرٌّ مني ومنك فبِئسَ ما تظُنُّ!) [2342] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 101). .
- وعن منذِرٍ الثَّوريِّ قال: (كان الرَّبيعُ بنُ خُثيمٍ يكنُسُ الحُشَّ [2343] أي: الكنيفَ وموضِعَ قضاءِ الحاجةِ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 390). بنفسِه، فقيل له: إنَّك تُكفى هذا! فقال: إني أحبُّ أن آخُذَ بنصيبي من المِهنةِ) [2344] ((الزهد)) لوكيع (491)، ((الطبقات الكبير)) لابن سعد (9/ 247)، ((الزهد)) لأحمد بن حنبل (ص: 275)، ((الزهد)) لهناد بن السري (2/ 408). .
- وقال أبو عيسى الحواريُّ: (لمَّا قدم سفيانُ الثَّوريُّ الرَّملةَ -أو بيتَ المقدِسِ- أرسل إليه إبراهيمُ بنُ أدهَمَ: تعالَ حَدِّثْنا، فقيل له: يا أبا إسحاقَ، تبعَثُ إليه بمِثلِ هذا؟! قال: إنَّما أردتُ كيف تواضُعُه، قال: فجاء فحدَّثهم) [2345] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (6/ 367). .
- وعن عليِّ بنِ ثابتٍ الجَزَريُّ، قال: (ما رأيتُ سفيانَ -يعني: الثَّوريَّ- يقعُدُ في صدرِ مجلِسٍ قطُّ، إنَّما كان يقعُدُ إلى جانبِ حائطٍ، ويجمَعُ بَيْنَ ركبَتَيه) [2346] ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (1/ 117). .
- وقيل: إنَّ أبا عثمانَ الحيريَّ اجتاز بسكَّةٍ وقتَ الهاجرةِ فألقيَ عليه من سطحٍ طَستُ رمادٍ، فتغيَّرَ أصحابُه وبسطوا ألسِنَتَهم في المُلقي! فقال أبو عثمانَ: لا تقولوا شيئًا؛ من استحقَّ أن يُصَبَّ عليه النَّارُ فصولِحَ على الرَّمادِ لم يجُزْ له أن يَغضَبَ!) [2347] ((الرسالة)) لأبي القاسم القشيري (2/ 401). .
- عن حمَّادِ بنِ زيدٍ قال: قال أيُّوبُ: (إنَّ قومًا يريدون أن يرتَفِعوا فيأبى اللَّهُ إلَّا أن يضَعَهم، وآخرين يريدون أن يتواضَعوا، فيأبى اللَّهُ إلَّا أن يرفَعَهم). قال: (وكان أيُّوبُ يأخذُ بي في طريقٍ هي أبعدُ، فأقولُ: إنَّ هذا أقرَبُ، فيقولُ: إنِّي أتَّقي هذه المجالسَ، وكان إذا سلَّم يردُّون عليه سلامًا فوقَ ما يُرَدُّ على غيرِه، فيقولُ: اللَّهُمَّ إنَّك تعلَمُ أني لا أريدُه، اللَّهمَّ إنَّك تعلَمُ أني لا أريدُه!) [2348] ((الطبقات الكبير)) لابن سعد (9/ 247). .
- عن نعيمِ بنِ مَيسرةَ قال: (كان عَمرُو بنُ قيسٍ المُلائيُّ يقرئُ النَّاسَ القرآنَ، فكان يجلِسُ بَيْنَ يدَيْ رجلٍ رجلٍ حتَّى يفرُغَ منهم، وكان إذا مشى لا يمشي أمامَهم، فيقولُ: تعالوا نمشي جميعًا) [2349] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (5/ 102). .

انظر أيضا: