موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: أخطاءٌ شائعةٌ حَولَ التَّفاؤُلِ


1-الاعتِقادُ بأنَّ التَّفاؤُلَ مَدْعاةٌ لتَركِ الأخْذِ بالأسبابِ، فالتَّفاؤُلُ الذي دعَت إليه الشَّريعةُ وأقرَّتْه هو ما يَبعَثُ على الهِمَّةِ ويَنشُرُ العزيمةَ ويُوَلِّدُ الحَماسةَ في النَّفسِ لِمَزيدٍ من العَمَلِ والعَطاءِ، وليس معناه التَّواكُلَ وتَرْكَ الأسبابِ بحُجَّةِ إحسانِ الظَّنِّ باللهِ [2062] ((التفاؤل في زمن الكروب)) للعسكر (ص: 15). .
قال الماوَرْديُّ: (ويَعلَمُ أنَّ قَضاءَ اللهِ تعالى عليه غالِبٌ، وأنَّ رِزقَه له طالِبٌ، إلَّا أنَّ الحرَكةَ سببٌ، فلا يَثْنيه عنها ما لا يَضُرُّ مخلوقًا، ولا يدفَعُ مَقدورًا، ولْيَمْضِ في عزائِمِه واثِقًا باللهِ تعالى إن أُعطِيَ، وراضيًا به إن مُنِع) [2063] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 316). .
2-الاعتقادُ بأنَّ الفَألَ من أقسامِ الطِّيَرةِ؛ لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((لا طِيَرةَ، وخَيرُها الفَألُ)) [2064] أخرجه البخاري (5754)، ومسلم (2223) مطوَّلًا من حديثِ أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال الطِّيبيُّ: (الضَّميرُ المُؤَنَّثُ في قَولِه: ((وخَيرُها)) راجِعٌ إلى الطِّيَرةِ، وقد عُلِم أنَّ الطِّيَرةَ كُلَّها لا خيرَ فيها، فهو كقَولِه تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان: 24] ، وهو مبنيٌّ على زعمِهم، وهو من إرخاءِ العِنانِ في المُخادَعةِ بأن يجريَ الكلامُ على زَعمِ الخَصْمِ حتَّى لا يشمَئِزَّ عن التَّفَكُّرِ فيه، فإذا تفَكَّرَ فأنصف من نفسِه قَبِل الحَقَّ، فقَولُه: ((خَيرُها الفَألُ)) إطماعٌ للسَّامعِ في الاستماعِ والقَبولِ، لا أنَّ في الطِّيَرةِ خَيرًا حقيقةً، أو هو من نحوِ قَولِهم: الصَّيفُ أحَرُّ مِن الشِّتاءِ، أي: الفَألُ في بابِه أبلَغُ من الطِّيَرةِ في بابِها) [2065] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/214). .
3- كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعجِبُه تغييرُ الاسمِ القبيحِ بالاسمِ الحَسَنِ، وقد يَظُنُّ البَعضُ أنَّ ذلك من التَّطَيُّرِ بتلك الأسماءِ، وهذا خطَأٌ، وقد أجاب العُلَماءُ على ذلك.
ومنهم ابنُ عبدِ البَرِّ؛ فقد قال: (ليس هذا من بابِ الطِّيَرةِ؛ لأنَّه مُحالٌ أن ينهى عن شَيءٍ ويفعَلَه، وإنَّما هو من بابِ طَلبِ الفألِ الحَسَنِ) [2066] ((تنوير الحوالك)) للسيوطي (2/245). . فبعضُ الأسماءِ قد تحدِثُ في نفوسِ النَّاسِ نُفورًا وتطَيُّرًا؛ ولذلك من رحمتِه بهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَنْعُهم ممَّا يوجِبُ لهم سماعَ المكروهِ.
4- الاعتقادُ بأنَّ ما يقَعُ للإنسانِ من نفورٍ طبيعيٍّ من بعضِ الأشياءِ، كالنُّفورِ مِن صَوتِ الحَميرِ أو صَريرِ الحديدِ ونحوِهما من الأصواتِ والمرائي المنَفِّرةِ للنَّفسِ: من التَّشاؤُمِ المحَرَّمِ، وأنَّه خلافُ ما ينبغي أن يكونَ عليه المُسلِمُ من تفاؤُلٍ، وهذا خَطَأٌ.
يقولُ الرَّاغِبُ الأصفَهانيُّ: (وممَّا يجري مجراها -يعني الكِهانةَ- الطِّيَرةُ، وهو: تشاؤُمُ الإنسانِ بشَيءٍ يقَعُ تحتَ المناظِرِ والمسامِعِ ممَّا تنفِرُ منه النَّفسُ ممَّا ليس بطبيعيٍّ، فأمَّا نِفارُها ممَّا هو طبيعيٌّ في الإنسانِ كنِفارِه من صريرِ الحديدِ وصوتِ الحِمارِ، فلا يُعَدُّ مِن هذا) [2067] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص: 148). .

انظر أيضا: