موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ من التَّعاوُنِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


1- كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسعى لقضاءِ حوائجِ المُسلِمين، ويحِبُّ إعانتَهم، والوقوفَ معهم فيما يُلِمُّ بهم من نوازِلَ، وكان مجبولًا على ذلك من صِغَرِه وقبلَ بَعثتِه، وقد بَيَّنَت ذلك أمُّنا خديجةُ رَضِيَ اللهُ عنها عندما كانت تخفِّفُ من رَوعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عند عودتِه من غارِ حِراءَ بعدَ نزولِ الوَحيِ عليه، وكان فَزِعًا، فقالت له: (كَلَّا، واللهِ ما يخزيك اللهُ أبدًا؛ إنَّك لتَصِلُ الرَّحِمَ، وتحمِلُ الكَلَّ [1804] الكَلُّ: ما لا يَستَقِلُّ بأمرِه، ويدخلُ في حَملِ الكَلِّ الإنفاقُ على الضَّعيفِ واليتيمِ والعيالِ وغيرِ ذلك. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 201). ، وتَكسِبُ المعدومَ [1805] وتَكسِبُ المعدومَ، أي: تسبِقُ إلى فِعلِ الخيرِ، فتبادِرُ إلى إعطاءِ الفقيرِ، فتَكسِبُ حسَنَتَه قبلَ غيرِك، ويسمَّى الفقيرُ معدومًا، وقيل: المرادُ بالمعدومِ هاهنا المالُ المعطى، أي: يعطي المالَ لمن هو عادِمُه. وقيل غيرُ ذلك. يُنظَر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (4/ 18). ، وتَقْرِي [1806] تَقري: أي: تُطعِمُ. يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (9/ 3732). الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحَقِّ [1807] النَّوائِبُ جمعُ نائبةٍ، وهي: الحادثةُ، وإنما قالت: نوائِبَ الحَقِّ؛ لأنَّ النائبةَ قد تكونُ في الخيرِ، وقد تكونُ في الشَّرِّ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 201). [1808] رواه مطولًا: البخاري (3) واللفظ له، ومسلم (160). .
2- وعن الأسوَدِ قال: (سألتُ عائشةَ: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصنَعُ في بيتِه؟ قالت: كان يكونُ في مهنةِ أهلِه -تعني: خِدمةَ أهلِه-، فإذا حضَرَت الصَّلاةُ خرج إلى الصَّلاةِ) [1809] أخرجه البخاري (676). .
3- وعن البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينقُلُ التُّرابَ يومَ الخندقِ حتَّى أغمَرَ بَطنَه [1810] أغمَرَ بَطْنَه: أي: وارى التُّرابُ جِلْدَه وسَتَرَه. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (13/264). أو اغبَرَّ بَطنُه، يقولُ:
واللهِ لولا اللهُ ما اهتدَينا
ولا تصدَّقْنا ولا صَلَّينا
فأنزِلَنْ سكينةً علينا
وثَبِّتِ الأقدامَ إنْ لاقَينا
إنَّ الأُلى قد بَغَوا علينا
إذا أرادوا فِتنةً أَبَينا
ويرفَعُ بها صوتَه: أبَيْنا أبَيْنا))
[1811] أخرجه البخاري (4104) واللفظ له، ومسلم (1803). .
4- عن قَبيصةَ بنِ مُخارِقٍ قال: ((تحمَّلْتُ حَمالةً، فأتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أسألُه فيها، فقال: أقِمْ حتَّى تأتيَنا الصَّدَقةُ، فنأمُرَ لك بها)) [1812] أخرجه مسلم (1044). .
وفي روايةٍ: ((أقِمْ حتَّى تأتيَنا الصَّدَقةُ، فإمَّا أن نحمِلَها، وإمَّا أن نُعينَك فيها)) [1813] أخرجها أحمد (20601). قال شعيبٌ في تخريج مسند أحمد (20601): (إسنادُه صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ رجالُ الصَّحيحِ).  .
(قولُه: تحمَّلْتُ حَمالةً، أي: ألزَمْتُها نفسي. والحَمالةُ: ما لَزِم الإنسانَ تحمُّلُه من غُرمٍ أو دِيَةٍ.
وكانت العَرَبُ إذا وقعت بينهم ثائرةٌ اقتَضَت غُرمًا في ديةٍ أو غيرِها، قام أحدُهم فتبَرَّع بالتِزامِ ذلك، والقيامِ به؛ حتى ترتفِعَ تلك الثَّائرةُ، ولا شَكَّ أنَّ هذا من مكارمِ الأخلاقِ، ولا يصدُرُ مِثلُه إلَّا عن ساداتِ النَّاسِ وخيارِهم. وكانت العَرَبُ لكَرَمِها إذا عَلِمَت بأنَّ أحدًا تحمَّل حَمالةً بادروا إلى معونتِه، وأعطَوه ما يُتِمُّ به وَجهَ مَكرُمتِه، وتبرَأُ به ذِمَّتُه، ولو سأل المتحَمِّلُ في تلك الحَمالةِ لم يُعَدَّ ذلك نَقصًا، بل شرَفًا وفَخرًا؛ ولذلك سأل هذا الرَّجُلُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَمالتِه التي تحمَّلها على عاداتِهم، فأجابه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ذلك بحُكمِ المعونةِ على المَكرُمةِ، ووعَده النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمالٍ من الصَّدَقةِ؛ لأنَّه غارِمٌ من جملةِ الغارِمينَ المذكورينَ في آيةِ الصَّدَقاتِ) [1814] ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (3/ 87). .

انظر أيضا: