موسوعة الأخلاق والسلوك

د- التَّضحيةُ عِندَ السَّلَفِ


تضحيةُ إسماعيلَ بنِ عَيَّاشٍ بمالِه في طَلَبِ العِلمِ:
كان إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ يَقولُ: (وَرِثتُ عن أبي أربعةَ آلافِ دِينارٍ فأنفَقتُها في طَلَبِ العِلمِ) [1715] ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) لابن الجوزي (9/ 67). .
تضحيةُ عُبَيدِ بنِ يَعيشَ في سَبيلِ طَلَبِ العِلمِ:
يقولُ عُبَيدُ بنُ يَعيشَ: (أقمتُ ثلاثينَ سَنةً ما أكَلْتُ بيَدي باللَّيلِ، كانت أختي تُلْقِمُني، وأنا أكتُبُ) [1716] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/459). .
يأخُذُ لُقَيماتٍ في فَمِه من أختِه؛ توفيرًا لوقتِه على الكتابةِ، وضَنًّا به عن غيرِ العِلمِ!
تضحيةُ أبي يوسُفَ القاضي بحُضورِ جِنازةِ ابنِه من أجْلِ العِلمِ:
روى محمَّدُ بنُ قُدامةَ قال: (سَمِعتُ شُجاعَ بنَ مَخلَدٍ قال: سَمِعتُ أبا يوسُفَ يقولُ: مات ابنٌ لي، فلم أحضُرْ جَهازَه ولا دَفْنَه، وتركتُه على جيراني وأقربائي؛ مخافةَ أن يفوتَني من أبي حنيفةَ شَيءٌ لا تَذهَبُ حَسرتُه عَنِّي!) [1717] ((قيمة الزمن عند العلماء)) لأبي غدة (ص: 31). .
تضحيةُ محمَّدِ بنِ الحَسَنِ بلَذَّةِ الرَّاحةِ والنَّومِ من أجْلِ العِلمِ:
كان محمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيبانيُّ الكوفيُّ البغداديُّ، الإمامُ الفقيهُ المجتَهِدُ المحدِّثُ، تلميذُ الإمامِ أبي حنيفةَ، لا ينامُ اللَّيلَ، وكان يَضَعُ عِندَه دفاتِرَ -يعني كُتُبًا- فإذا ملَّ من نوعٍ نَظَر في آخَرَ، وكان يُزيلُ نَومَه بالماءِ ويقولُ: إنَّ النَّومَ من الحرارةِ [1718] يُنظر: ((قيمة الزمن عند العلماء)) لأبي غدة (ص: 31). .
- تضحيةُ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ:
قال ابنُ كثيرٍ في ذِكرِ محنةِ الإمامِ: (في أيَّامِ المأمونِ ثمَّ المُعتَصِمِ، ثمَّ الواثِقِ بسَبَبِ القُرآنِ، وما أصابه من الحَبسِ الطَّويلِ والضَّربِ الشَّديدِ، والتَّهديدِ بالقَتلِ بسُوءِ العَذابِ وأليمِ العقابِ، وقِلَّةِ مُبالاتِه بما كان منهم من ذلك إليه، وصَبْرِه عليه، وتمسُّكِه بما كان عليه من الدِّينِ القويمِ والصِّراطِ المُستقيمِ، وكان أحمدُ عالِمًا بما ورد بمِثلِ حالِه من الآياتِ المتلوَّةِ والآثارِ المأثورةِ، وبَلغَه ما أُوصِيَ به في المنامِ واليَقَظةِ، فرَضِيَ وسَلَّم إيمانًا واحتسابًا، وفاز بخَيرِ الدُّنيا ونعيمِ الآخرةِ، وهيَّأه اللهُ بما آتاه من ذلك لبُلوغِ أعلى منازِلِ أهلِ البلاءِ في اللهِ من أولياءِ اللهِ، وألحَقَ به محبِّيه فيما نال من كرامةِ اللهِ تعالى، إن شاء اللهُ من غيرِ بَلِيَّةٍ. وباللهِ التَّوفيقُ والعِصمةُ) [1719] ((البداية والنهاية)) (14/393). .
تضحيةُ أبي حاتِمٍ الرَّازيِّ في طَلَبِ العِلمِ:
قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي حاتمٍ: سَمِعتُ أبي يقولُ: (أوَّلَ سَنةٍ خرَجْتُ في طَلَبِ الحديثِ أقمْتُ سَبعَ سِنينَ أحصَيتُ ما مَشَيتُ على قَدَميَّ زيادةً على ألفِ فَرسَخٍ! لم أزَلْ أُحصي حتَّى لَمَّا زاد على ألفِ فَرسَخٍ ترَكْتُه، ما كنتُ سِرتُ أنا من الكوفةِ إلى بغدادَ فما لا أحصي كم مَرَّةً، ومِن مكَّةَ إلى المدينةِ مرَّاتٍ كثيرةً، وخرَجْتُ من البحرينِ من قُربِ مدينةِ صلا إلى مِصرَ ماشيًا، ومن مِصرَ إلى الرَّملةِ ماشيًا، ومن الرَّملةِ إلى بيتِ المقدِسِ، ومِنَ الرَّملةِ إلى عَسْقلانَ، ومن الرَّملةِ إلى طَبَريَّةَ، ومن طَبَريَّةَ إلى دِمَشْقَ، ومِن دِمَشقَ إلى حِمصٍ، ومِن حِمصٍ إلى أنطاكيةَ، ومن أنطاكيةَ إلى طَرَسوسَ، ثمَّ رجَعْتُ مِن طَرَسوسَ إلى حِمصٍ، وكان بَقِي عليَّ شيءٌ من حديثِ أبي اليمانِ فسَمِعتُ ثمَّ خرَجتُ من حِمصَ إلى بَيْسانَ، ومِن بَيْسانَ إلى الرَّقَّةِ، ومن الرَّقَّةِ ركِبْتُ الفُراتَ إلى بغدادَ، وخرَجْتُ قَبلَ خُروجي إلى الشَّامِ مِن واسِطٍ إلى النِّيلِ، ومن النِّيلِ إلى الكوفةِ، كُلَّ ذلك ماشيًا، كلَّ هذا في سَفَري الأوَّلِ وأنا ابنُ عِشرين سَنةً أَجولُ سَبعَ سِنينَ!) [1720] ((الجرح والتعديل)) (1/360). .

انظر أيضا: