موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ التَّثَبُّتِ


من صُوَرِ التَّثَبُّتِ:
1- التَّثَبُّتُ في أمورِ العقيدةِ، وتَركُ اتِّباعِ الظُّنونِ فيها.
قال تعالى مخبِرًا عن اعتقادِ النَّصارى الباطِلِ في عيسى عليه السَّلامُ بالظُّنونِ والأوهامِ دونَ التَّثَبُّتِ: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء: 157] .
2- التَّثَبُّتُ قَبلَ نِسبةِ شيءٍ إلى اللَّهِ سُبحانَه، والحَذَرُ من القَولِ عليه بغيرِ عِلمٍ.
قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فرتَّب المحَرَّماتِ أربَعَ مراتِبَ، وبدأ بأسهَلِها، وهو الفواحِشُ، ثمَّ ثَنَّى بما هو أشَدُّ تحريمًا منه، وهو الإثمُ والظُّلمُ، ثمَّ ثَلَّث بما هو أعظَمُ تحريمًا منهما، وهو الشِّركُ به سُبحانَه، ثمَّ ربَّع بما هو أشَدُّ تحريمًا من ذلك كُلِّه، وهو القولُ عليه بلا عِلمٍ، وهذا يعُمُّ القولَ عليه سُبحانَه بلا عِلمٍ في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، وفي دينِه وشَرعِه) [1583] ((إعلام الموقعين)) (1/31). .
3- التَّثَبُّتُ في قَبولِ الأخبارِ عن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لعِظَمِ خَطَرِ الكَذِبِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وتَركُ التَّثَبُّتِ في النَّقلِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد يَدخُلُ في الكَذِبِ.
عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كُنتُ في مجلِسٍ من مجالِسِ الأنصارِ إذ جاء أبو موسى كأنَّه مذعورٌ، فقال: استأذَنْتُ على عُمَرَ ثلاثًا، فلم يُؤذَنْ لي فرجَعْتُ، فقال: ما منَعَك؟ قلتُ: استأذَنتُ ثلاثًا فلم يؤذَنْ لي فرجَعْتُ، وقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا استأذَن أحَدُكم ثلاثًا فلم يؤذَنْ له فليرجِعْ، فقال: واللَّهِ لتُقيمَنَّ عليه ببَيِّنةٍ، أمنكم أحدٌ سمعِهَ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: واللَّهِ لا يقومُ معك إلَّا أصغَرُ القومِ، فكنتُ أصغَرَ القومِ، فقُمتُ معه، فأخبَرْتُ عُمَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذلك)) [1584] أخرجه البخاري (6245) واللفظ له، ومسلم (2153). .
4- التَّثَبُّتُ في الإفتاءِ في دينِ اللَّهِ سُبحانَه، وكان السَّلَفُ الصَّالحُ رِضوانُ اللَّهِ عليهم مع سَعةِ عِلمِهم وفِقهِهم لا يُكثِرون من إطلاقِ عِباراتِ التَّحليلِ والتَّحريمِ، وهذا من شِدَّةِ وَرَعِهم ومحاسَبتِهم لأنفُسِهم.
يقول مالِكٌ: (لم يكُنْ من أمرِ النَّاسِ ولا مَن مضى مِن سَلَفِنا، ولا أدري أحدًا أقتدي به يقولُ في شيءٍ: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، ما كانوا يجترئون على ذلك! وإنَّما كانوا يقولون: نَكرَهُ هذا، ونرى هذا حَسَنًا، ونتَّقي هذا، ولا نرى هذا، ولا يقولون: هذا حلالٌ ولا حرامٌ!) [1585] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 1075). .
5- التَّثَبُّتُ في أمرِ مَن يتعَلَّمُ منه المُسلِمُ أمورَ دينِه أو يستفتيه فيه، فينبغي عليه أن يجتَهِدَ ويتعَبَ، ويتَّقيَ اللَّهَ ويتَثَبَّتَ أشَدَّ التَّثَبُّتِ فيمن يأخُذُ منه ويرجِعُ إليه في هذا الشَّأنِ العظيمِ.
قال الخطيبُ البَغداديُّ: (وإذا قَصَد أهلَ مَحلَّةٍ للاستفتاءِ عمَّا نَزَل به، فعليه أن يسألَ مَن يَثِقُ بدينِه ويَسكُنُ إلى أمانتِه، عن أعلَمِهم وأمثَلِهم؛ ليَقصِدَه ويؤمَّ نحوَه؛ فليس كُلُّ من ادَّعى العِلمَ أحرَزه، ولا كُلُّ من انتَسَب إليه كان من أهلِه) [1586] ((الفقيه والمتفقه)) (2/376). .
6- التَّثَبُّتُ وعَدَمُ التَّسرُّعِ في تنزيلِ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ على الواقِعِ، ومنها أشراطُ السَّاعةِ، وذلك بالتَّأكُّدِ من صِحَّةِ النُّصوصِ وثُبوتِها قَبلَ تنزيلِها وإسقاطِها على الوقائِعِ مع التَّحقُّقِ من مدى التَّطابُقِ بَيْنَ الحديثِ والواقِعِ، وانطباقِ جميعِ الأوصافِ الواردةِ في النَّصِّ عليه؛ فعن حَفصِ بنِ غِياثٍ، قال: قُلتُ لسُفيانَ الثَّوريِّ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، إنَّ النَّاسَ قد أكثَروا في المَهديِّ، فما تقولُ فيه؟ قال: (إن مَرَّ على بابِك فلا تكُنْ منه في شَيءٍ حتَّى يجتَمِعَ النَّاسُ عليه) [1587] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 31). .
7- التَّثَبُّتُ في الوُقوفِ بدِقَّةٍ على المهِمَّةِ المُسنَدةِ إلى الإنسانِ حتَّى يُتِمَّها على أفضَلِ وَجهٍ، فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومَ خيبَرَ: ((لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسولَه، يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْه. قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ما أحبَبْتُ الإمارةَ إلَّا يَومَئذٍ، قالَ: فتَسَاوَرْتُ لها [1588] فتساوَرْتُ لها: بمعنى: تطاوَلْتُ، أي: حرَصْتُ على ذلك حتَّى أظهَرْتُ وجهي وتصدَّيتُ لذلك؛ ليتذكَّرَ مكاني فأُعطاها. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (7/ 417). رجَاءَ أن أُدْعَى لها، قال: فدَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلِيَّ بنَ أبي طَالِبٍ، فأعطاه إيَّاها، وقال: امْشِ ولا تَلتَفِتْ، حتَّى يَفتَحَ اللَّهُ عليك. قال: فسار عَلِيٌّ شيئًا ثُمَّ وَقَفَ ولم يَلتَفِتْ، فصرَخَ: يا رَسولَ اللهِ، على ماذا أُقاتِلُ النَّاسَ؟ قال: قَاتِلْهم حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فإذا فَعَلوا ذلك فقد مَنَعوا منك دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم على اللَّهِ)) [1589] أخرجه مسلم (2405). .
8-التَّثَبُّتُ قَبلَ إطلاقِ الألسِنةِ في الحُكمِ على النَّاسِ عُمومًا، والدُّعاةِ إلى اللهِ والعُلَماءِ خصوصًا بالتَّبديعِ والتَّفسيقِ والتَّكفيرِ؛ فهذه ظاهِرةٌ خطيرةٌ، لا تَصدُرُ ممَّن يتَّقي اللهَ ويراقِبُ أقوالَه.
(وبهذا تعلَمُ أنَّ تلك البادِرةَ الملعونةَ من تكفيرِ الأئمَّةِ: النَّوَويِّ، وابنِ دقيقِ العيدِ، وابنِ حَجَرٍ العَسقلانيِّ -رحمهم اللهُ تعالى- أو الحَطِّ من أقدارِهم، أو أنَّهم مُبتَدِعةٌ ضُلَّالٌ! كُلُّ هذا من عَمَلِ الشَّيطانِ، وبابِ ضلالةٍ وإضلالٍ، وفسادٍ وإفسادٍ، وإذا جُرِح شُهودُ الشَّرعِ جُرِح المشهودُ به، لكِنَّ الأغرارَ لا يَفقَهون ولا يتَثَبَّتون!) [1590] ((تصنيف الناس بين الظن واليقين)) (ص: 94). .
9- التَّثَبُّتُ في مجالِ القَضاءِ بَيْنَ النَّاسِ والفَصلِ في أمورِهم:
يقولُ الطَّاهِرُ بنُ عاشورٍ: (والأمرُ بالتَّبيينِ أصلٌ عظيمٌ في وُجوبِ التَّثَبُّتِ في القضاءِ، وأن لا يتتَبَّعَ الحاكِمُ القِيلَ والقالَ، ولا ينصاعَ إلى الجَولانِ في الخواطِرِ من الظُّنونِ والأوهامِ) [1591] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (26/ 231). .
ومِن لوازِمِ التَّثَبُّتِ في القَضاءِ:
أوَّلًا: أن يسمَعَ القاضي من الخَصمينِ، لا أن يسمَعَ كلامَ خَصمٍ دونَ الآخَرِ.
ثانيًا: طَلَبُ البَيِّنةِ والدَّليلِ على الدَّعوى من خلالِ الشُّهودِ، أو طَلَبِ اليَمينِ من الطَّرَفِ الآخَرِ عِندَ النُّكولِ وعَدَمِ البَيِّنةِ، وهي وسيلةٌ من وسائلِ إثباتِ الحَقِّ الذي يدَّعيه المدَّعي؛ فقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو يُعطى النَّاسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولكِنَّ اليمينَ على المدَّعى عليه)) [1592] أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711) واللفظ له. .
ثالثًا: بناءُ الأحكامِ على العِلمِ واليقينِ، بعيدًا عن الشَّكِّ والتَّسرُّعِ؛ لأنَّ تبرئةَ المذنِبِ خيرٌ من إدانةِ البَريءِ [1593] يُنظَر: ((موسوعة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)) (8/ 186). .
10- التَّثَبُّتُ في نَقلِ أخبارِ الصُّحُفِ والمجلَّاتِ والمواقِعِ الإلكترونيَّةِ؛ حتَّى لا يندَمَ على تسرُّعِه في نَقلِ خَبرٍ يظهَرُ فيما بعدُ عدَمُ صِحَّتِه.
(والمُشاهَدُ والواقِعُ أنَّ عَدَمَ التَّثَبُّتِ وعَدَمَ التَّأنِّي يؤدِّيانِ إلى كثيرٍ من الأضرارِ والمفاسِدِ؛ فقد يسمَعُ الإنسانُ خبرًا، أو يقرَأُ نبَأً في صحيفةٍ أو مجلَّةٍ، فيسارِعُ بتصديقِه، ويعادي ويصادِقُ، ويبني على ذلك التَّصَرُّفاتِ والأعمالَ التي يُصدِرُها للمقاومةِ أو الموافقةِ، على أساسِ أنَّه حَقٌّ واقِعٌ، ثمَّ يظهَرُ أنَّه كان مكذوبًا، أو محَرَّفًا، أو مزَوَّرًا، أو مبالَغًا فيه، أو مُرادًا به غيرُ ما فَهِمه الإنسانُ! ومِن هنا يكتوي المتسَرِّعُ بلَهَبِ النَّدَمِ والحَسرةِ؛ بسَبَبِ استعجالِه وعَدَمِ تَثَبُّتِه) [1594] ((الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى)) لسعيد بن وهف القحطاني (1/71). .
11- التَّثَبُّتُ في قَبولِ الشَّهاداتِ، ولو كانت من إنسانٍ على نَفسِه؛ فعن أبي أُمَيَّةَ المخزوميِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُتِيَ بلِصٍّ قد اعترف اعترافًا ولم يوجَدْ معه متاعٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما إخالُك [1595] أي: ما أظنُّك. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 93). سرَقْتَ! قال: بلى، فأعاد عليه مرَّتينِ أو ثلاثًا، فأمَر به فقُطِع، وجيءَ به، فقال: استَغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه، فقال: أستغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه، فقال: اللَّهُمَّ تُبْ عليه ثلاثًا)) [1596] أخرجه أبو داود (4380) واللفظ له، والنسائي (4877)، وابن ماجه (2597). صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4380)، ووثَّق رجالَه ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (374)، والشوكاني في ((الدراري المضية)) (395). .
قال الخطَّابيُّ: (وَجهُ هذا الحديثِ عندي -واللهُ أعلَمُ- أنَّه ظَنَّ بالمعتَرِفِ بالسَّرِقةِ غَفلةً أو يكونُ قد ظَنَّ أنَّه لا يَعرِفُ معنى السَّرِقةِ، ولعَلَّه قد كان مالًا له أو اختَلَسه أو نحوَ ذلك ممَّا يخرُجُ من هذا البابِ عن معاني السَّرِقةِ، والمُعترفُ به قد يحسَبُ أنَّ حُكمَ ذلك حُكمُ السَّرِقةِ، فوافقه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستَثْبَتَ الحُكمَ فيه؛ إذ كان من سُنَّتِه أنَّ الحُدودَ تُدرَأُ بالشُّبُهاتِ...، وأَمَرنا بالسَّترِ على المُسلِمين، فكَرِه أن يَهتِكَه وهو يجِدُ السَّبيلَ إلى سَترِه، فلمَّا تَبَيَّن وجودَ السَّرِقةِ منه يقينًا أقام الحَدَّ عليه وأمَر بقَطْعِه) [1597] ((معالم السنن)) (3/ 301). .
12- التَّثَبُّتُ برَدِّ الأمورِ إلى أهلِ الخِبرةِ والدِّرايةِ والعِلمِ بها، وعدَمِ الاستعجالِ بإذاعةِ الأخبارِ التي تَضُرُّ بأمنِ الأفرادِ والمجتَمَعاتِ واستقرارِهم، وقد أخبر اللهُ سُبحانَه عن قومٍ ليسوا من أهلِ الخِبرةِ كانوا يذيعون الأخبارَ حتَّى يبلُغَ عَدُوَّهم أمرُهم
قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 83] .
قال الزَّمخشَريُّ: (هم ناسٌ من ضَعَفةِ المُسلِمين الذين لم تكُنْ فيهم خِبرةٌ بالأحوالِ ولا استبطانٌ للأمورِ، كانوا إذا بلغَهم خَبَرٌ عن سرايا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أمنٍ وسلامةٍ أو خوفٍ وخَلَلٍ أَذَاعُوا بِهِ، وكانت إذاعتُهم مُفسِدةً، ولو ردُّوا ذلك الخبَرَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإلى أُولي الأمرِ منهم -وهم كُبَراءُ الصَّحابةِ البُصَراءِ بالأمورِ أو الذين كانوا يؤمَرون منهم- لَعَلِمَهُ لعَلِمَ تدبيرَ ما أخبَروا به الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ الذين يستخرِجون تدبيرَه بفِطَنِهم وتجارِبِهم، ومعرفتِهم بأمورِ الحَربِ ومكايِدِها) [1598] ((الكشاف)) (1/541). .
13- التَّثَبُّتُ في المجالِ الاقتِصاديِّ:
للاقتصادِ أهمِّيَّتُه في حياةِ الفَردِ والمجتَمَعِ، بل وفي العالَمِ أجمَعَ. ويرتَبِطُ العالمُ اليومَ بروابطَ اقتصاديَّةٍ كبيرةٍ، فما يحدُثُ في منطِقةٍ أو دولةٍ من دُوَلِ العالمِ، غالِبًا تتأثَّرُ بها بقيَّةُ الدُّوَلِ سَلبًا أو إيجابًا، وبخاصَّةٍ في حالاتِ الحُروبِ والكوارِثِ.
وبناءً على ذلك فالتَّثَبُّتُ في مجالِ الاقتصادِ من الأهمِّيَّةِ بمكانٍ؛ فيَجِبُ عَدَمُ نشرِ الإشاعاتِ والأخبارِ غيرِ الموثوقِ فيها حولَ الأمورِ الاقتصاديَّةِ، كالمسائِلِ المتعَلِّقةِ بالبيعِ والشِّراءِ، والأثمانِ، والسِّلَعِ المختَلِفةِ، وكذا الأمورُ الماليَّةُ والنَّقديَّةُ والتِّجاريَّةُ بصفةٍ عامَّةٍ؛ حيثُ إنَّ أكثَرَ من يتأثَّرُ بهذه الأخبارِ والإشاعاتِ أصحابُ الأموالِ والثَّرَواتِ الماليَّةِ الكبرى؛ ممَّا ينعَكِسُ سلبًا بالتَّأثيرِ على اقتصادِ الدَّولةِ.
ومن الأمورِ الحيَويَّةِ الأكثَرِ تأثُّرًا في المجالِ الاقتِصاديِّ: سُوقُ المالِ (البورصة)، فهذه السُّوقُ تتأثَّرُ سَلبًا وإيجابًا بالأخبارِ الصَّادقةِ والكاذبةِ جرَّاءَ التَّثَبُّتِ وعَدَمِه [1599] يُنظَر: ((موسوعة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)) (8/ 185). .

انظر أيضا: