موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ وغَيرِهم


- قال مُعاويةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (العاقِلُ يَسلَمُ من الزَّلَلِ بالتَّثَبُّتِ والأناةِ وتَركِ العجَلةِ، ولا يزالُ العَجِلُ يخشى النَّدامةَ) [1563] ((تعليق من أمالي ابن دريد)) (ص: 116). .
- وقال سعيدُ بنُ العاصِ: (الحَزمُ في التَّثَبُّتِ، والخطَأُ في العَجَلةِ، والشُّؤمُ في البِدارِ) [1564] ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد (10/244). .
- وقال الشَّعبيُّ: (أوَّلُ إشاراتِ العَفوِ التَّثَبُّتُ) [1565] ((التذكرة الحمدونية)) (2/ 133). .
وقال أيضًا: (أصاب متأمِّلٌ أو كاد، وأخطَأَ مُستعجِلٌ أو كاد) [1566] ((محاضرات الأدباء)) للراغب (1/ 41)، ((التذكرة)) لابن حمدون (7/ 37). . والمتأمِّلُ: المتَثَبِّتُ، تقولُ: تأمَّلَ فُلانٌ: إذا تَثَبَّت ونظَرَ في الأمرِ [1567] ((الذخائر والعبقريات)) للبرقوقي (2/ 89). .
- وقال ابنُ المقَّفِعِ: (أصلُ العَقلِ التَّثَبُّتُ، وثَمَرتُه السَّلامةُ) [1568] ((الأدب الصغير)) (ص: 57). .
وقال أيضًا: (لا يُضيعَنَّ الوالي التَّثَبُّتَ عندَما يقولُ، وعندما يُعطي، وعندما يَعمَلُ؛ فإنَّ الرُّجوعَ عن الصَّمتِ أحسَنُ من الرُّجوعِ عن الكلامِ، وإنَّ العطيَّةَ بعدَ المنعِ أجملُ من المنعِ بعدَ الإعطاءِ، وإنَّ الإقدامَ على العَمَلِ بعدَ التَّأنِّي فيه أحسَنُ من الإمساكِ عنه بعدَ الإقدامِ عليه.
وكلُّ النَّاسِ محتاجٌ إلى التَّثَبُّتِ، وأحوجُهم إليه ملوكُهم الذين ليس لقولِهم وفِعلِهم دافِعٌ، وليس عليهم مُستَحِثٌّ) [1569] ((الأدب الكبير)) (ص: 78، 79). .
- وقال يونُسُ بنُ عبدِ الأعلى: قال لي الشَّافعيُّ ذاتَ يومٍ: (يا يونُسُ، إذا بُلِّغتَ عن صديقٍ لك ما تَكرَهُه فإيَّاك أن تبادِرَ بالعداوةِ وقَطعِ الولايةِ، فتكونَ ممَّن أزال يقينَه بشَكٍّ، ولكِنِ الْقَهُ وقُلْ له: بلغَني عنك كذا وكذا، واحذَرْ أن تُسَمِّيَ المبَلِّغَ، فإن أنكَرَ ذلك فقُلْ له: أنت أصدَقُ وأبَرُّ، ولا تزيدَنَّ على ذلك شيئًا. وإن اعتَرَف بذلك فرأيتَ له في ذلك وجهًا بعُذرٍ فاقبَلْ منه، وإن لم يُرِدْ ذلك فقُلْ له: ماذا أرَدْتَ بما بلغني عنك؟ فإن ذَكَر ما له وَجهٌ من العُذرِ فاقبَلْه، وإنْ لم يذكُرْ لذلك وجهًا لعُذرٍ، وضاق عليك المَسلَكُ، فحينَئذٍ أثبِتْها عليه سَيِّئةً أتاها. ثمَّ أنت في ذلك بالخيارِ؛ إنْ شئتَ كافأتَه بمثلِه من غيرِ زيادةٍ، وإن شِئتَ عفوتَ عنه، والعفوُ أبلَغُ للتَّقوى، وأبلَغُ في الكَرَمِ؛ لقَولِ اللَّهِ تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] ، فإن نازعَتْك نفسُك بالمكافأةِ فاذكُرْ فيما سَبَق له لديك، ولا تبخَسْ باقيَ إحسانِه السَّالِفِ بهذه السَّيِّئةِ؛ فإنَّ ذلك الظُّلمُ بعينِه، وقد كان الرَّجُلُ الصَّالحُ يقولُ: رَحِم اللَّهُ من كافأني على إساءتي من غيرِ أن يزيدَ ولا يبخَسَ حَقًّا لي. يا يونُسُ، إذا كان لك صديقٌ فشُدَّ يَدَيك به؛ فإنَّ اتِّخاذَ الصَّديقِ صَعبٌ، ومفارقتَه سَهلٌ. وقد كان الرَّجُلُ الصَّالحُ يُشَبِّهُ سُهولةَ مفارقةِ الصَّديقِ بصَبيٍّ يَطرَحُ في البئرِ حَجَرًا عظيمًا، فيَسهُلُ طَرحُه عليه، ويصعُبُ إخراجُه على الرِّجالِ التُّرْكِ، فهذه وصيَّتي لك. والسَّلامُ) [1570] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (9/ 121، 122). .
- وكتب طاهِرُ بنُ الحُسَينِ لابنِه عبدِ اللَّهِ كتابًا لمَّا ولَّاه المأمونُ عبدُ اللَّهِ بنُ هارونَ الرَّشيدُ الرَّقَّةَ ومِصرَ وما بَيْنَهما، وفيه: (وقِفْ عِندَ الشُّبهةِ، وأبلِغْ في الحُجَّةِ، ولا يأخُذْك في أحَدٍ من رعيَّتِك محاباةٌ ولا محاماةٌ، ولا لومُ لائمٍ، وتَثَبَّتْ وتأنَّ، وراقِبْ وانظُرْ، وتدَبَّرْ وتفَكَّرْ، واعتبِرْ، وتواضَعْ لرَبِّك، وارْأَفْ بجميعِ الرَّعيَّةِ، وسَلِّطِ الحَقَّ على نفسِك، ولا تُسرِعَنَّ إلى سَفكِ دَمٍ؛ فإنَّ الدِّماءَ من اللَّهِ بمكانٍ عظيمٍ) [1571] ((تاريخ الرسل والملوك)) للطبري (8/ 588). .
- وقال أبو عُثمانَ بنُ الحَدَّادِ: (من تأنَّى وتَثَبَّت تهيَّأَ له من الصَّوابِ ما لا يتهَيَّأُ لصاحِبِ البديهةِ) [1572] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1127). .
- وقال أبو هلالٍ العَسكريُّ: (التَّثَبُّتُ والتَّأنِّي وسُكونُ النَّفسِ من تمامِ الشَّجاعةِ) [1573] ((ديوان المعاني)) (1/114). .
- وقال ابنُ حِبَّانَ: (الخائِبُ مَن خاب عن الأناةِ، والعَجِلُ مُخطِئٌ أبدًا، كما أنَّ المتَثَبِّتَ مصيبٌ أبَدًا) [1574] ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص: 218). .
- وقال أيضًا: (مِن علاماتِ الحُمقِ التي يجِبُ للعاقِلِ تفقُّدُها ممَّن خَفِي عليه أمرُه: سرعةُ الجوابِ، وتَركُ التَّثَبُّتِ، والإفراطُ في الضَّحِكِ، وكثرةُ الالتِفاتِ، والوقيعةُ في الأخيارِ، والاختلاطُ بالأشرارِ) [1575] ((روضة العقلاء)) (ص: 119). .
- وقال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (الأعمالُ ينبغي أن تكونَ بعدَ التَّبصِرةِ والمعرفةِ، والتَّبصِرةُ تحتاجُ إلى تأمُّلٍ وتمهُّلٍ، والعَجَلةُ تمنَعُ من ذلك، وعندَ الاستعجالِ يُرَوِّجُ الشَّيطانُ شَرَّه على الإنسانِ من حيثُ لا يدري) [1576] ((إحياء علوم الدين)) (3/33). .
- وقال ابنُ الجَوزيِّ: (ما اعتَمَد أحدٌ أمرًا إذا هَمَّ بشيءٍ مِثلَ التَّثَبُّتِ؛ فإنَّه متى عَمِل بواقعةٍ من غيرِ تأمُّلٍ للعواقِبِ، كان الغالِبُ عليه النَّدَمَ؛ ولهذا أُمِر بالمشاورةِ؛ لأنَّ الإنسانَ بالتَّثَبُّتِ يفتَكِرُ، فتَعرِضُ على نفسِه الأحوالُ، وكأنَّه شاوَر، وقد قيل: خميرُ الرَّأيِ خيرٌ مِن فَطيرِه [1577] الفَطيرُ ضِدُّ الخَميرِ، وهو العَجينُ الذي لم يختَمِرْ. وكُلُّ شيءٍ أعجَلْتَه عن إدراكِه فهو فطيرٌ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 241). ، وأشدُّ النَّاسِ تفريطًا مَن عَمِل مبادرةً في واقعةٍ من غيرِ تَثَبُّتٍ ولا استشارةٍ، خُصوصًا فيما يوجِبُه الغَضَبُ؛ فإنَّه طَلَبُ الهلاكِ أو النَّدَمِ العظيمِ) [1578] ((صيد الخاطر)) (ص: 385). .
- وقال ابنُ تَيميَّةَ: (ما نَدِم مَن استخار الخالِقَ، وشاوَر المخلوقينَ، وتَثَبَّت في أمرِه) [1579] ((الكلم الطيب)) (ص: 56). .
- وقال الشَّاطبيُّ: (مَن طَلَب خلاصَ نَفسِه تَثَبَّت حتَّى يتَّضِحَ له الطَّريقُ، ومن تساهَل رمَتْه أيدي الهوى في معاطِبَ لا مَخلَصَ له منها، إلَّا ما شاء اللَّهُ) [1580] ((الاعتصام)) (2/ 140). .
- وقال السَّعديُّ: (مِن الغَلَطِ الفاحِشِ الخَطِرِ قَبولُ قَولِ النَّاسِ بعضِهم ببعضٍ، ثمَّ يبني عليه السَّامِعُ حُبًّا وبُغضًا ومَدحًا وذَمًّا، فكم حَصَل بهذا الغلَطِ أمورٌ صار عاقِبَتُها النَّدامةَ! وكم أشاع النَّاسُ عن النَّاسِ أمورًا لا حقائِقَ لها بالكُلِّيَّةِ، أو لها بعضُ الحقيقةِ فنمِيَت بالكَذِبِ والزُّورِ، وخُصوصًا مَن عُرِفوا بعَدَمِ المبالاةِ بالنَّقلِ، أو عُرِف منهم الهوى، فالواجِبُ على العاقِلِ التَّثَبُّتُ والتَّحَرُّزُ وعَدَمُ التَّسرُّعِ، وبهذا يُعرَفُ دِينُ العَبدِ ورزانتُه وعَقلُه) [1581] ((الرياض الناضرة)) (ص: 234). .

انظر أيضا: