موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن المُغيرةِ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ كَذِبًا علَيَّ ليس ككَذِبٍ على أحَدٍ، من كَذَب عليَّ متعَمِّدًا فلْيتبوَّأْ مَقعَدَه من النَّارِ)) [1552] أخرجه البخاري (1291). .
قال الطِّيبيُّ: (فيه إيجابُ التَّحَرُّزِ عن الكَذِبِ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأن لا يحَدَّثَ عنه إلَّا بما يَصِحُّ بنَقلِ الإسنادِ والتَّثَبُّتِ فيه) [1553] ((الكاشف عن حقائق السنن)) (2/659). .
وقال النَّوويُّ: (وأمَّا معنى الحديثِ والآثارِ التي في البابِ، ففيها الزَّجرُ عن التَّحديثِ بكُلِّ ما سمع الإنسانُ؛ فإنَّه يسمَعُ في العادةِ الصِّدقَ والكَذِبَ، فإذا حدَّث بكُلِّ ما سمع فقد كذَب لإخبارِه بما لم يكُنْ، وقد تقدَّم أنَّ مذهَبَ أهلِ الحَقِّ أنَّ الكَذِبَ الإخبارُ عن الشَّيءِ بخلافِ ما هو، ولا يُشتَرَطُ فيه التَّعمُّدُ، لكِنَّ التَّعمُّدَ شَرطٌ في كونِه إثمًا) [1554] ((شرح النووي على مسلم)) (1/75). .
- عن بُريدةَ بنِ الحُصَيبِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاء ماعزُ بنُ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، طَهِّرْني. فقال: وَيْحَك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه. قال: فرجَع غيرَ بعيدٍ، ثمَّ جاء فقال: يا رسولَ اللهِ، طَهِّرْني. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ويحَك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه. قال: فرجَع غيرَ بعيدٍ، ثمَّ جاء فقال: يا رسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثلَ ذلك، حتَّى إذا كانت الرَّابعةُ قال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فيمَ أُطَهِّرُك؟ فقال: من الزِّنا. فسأل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبه جُنونٌ؟ فأُخبِرَ أنَّه ليس بمجنونٍ. فقال: أشرِبَ خمرًا؟ فقام رجلٌ فاستَنْكَهَه [1555] فاستَنْكَهَه: أي: شَمَّ ريحَ فَمِه، والنَّكْهةُ: ريحُ الفَمِ، وكأنَّه ظَنَّ أنَّه سَكرانُ لأجلِ إقرارِه بما يوجِبُ الحَدَّ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (2/ 24). ، فلم يجِدْ منه ريحَ خَمرٍ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أزَنَيتَ؟ فقال: نعَمْ. فأمَرَ به فرُجِمَ)) [1556] أخرجه مسلم (1695). .
قال القاضي عياضٌ: (وكان ترديدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له إذا لم يَقُمْ عليه بيِّنةٌ إلَّا لإقرارِه واستِبرائِه في إقرارِه، وتَثَبُّتًا في أمرِه، ورجاءً لرُجوعِه عن قَولِه، أو لتمامِ اعتِرافِه) [1557] ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (5/ 516). .
(وفيه دليلٌ على أنَّه يجِبُ على الإمامِ الاستفصالُ والبحثُ عن حقيقةِ الحالِ) [1558] ((نيل الأوطار)) (7/ 115). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ العبدَ ليَتكَلَّمُ بالكَلِمةِ ما يتَبَيَّنُ ما فيها، يهوي بها في النَّارِ أبعَدَ ما بَيْنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ)) [1559] أخرجه البخاري (6477)، ومسلم (2988) واللفظ له. .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: "ما يتَبَيَّنُ فيها" أي: لا يتطَلَّبُ معناها، أي: لا يُثبِتُها بفِكرِه ولا يتأمَّلُها حتَّى يتَثَبَّتَ فيها، فلا يقولُها إلَّا إن ظهَرت المصلحةُ في القولِ) [1560] ((فتح الباري)) (11/310). .
- وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لو يُعطى النَّاسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولكِنَّ اليمينَ على المدَّعى عليه)) [1561] أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711) واللفظ له. .
قال السَّعديُّ: (هذا الحديثُ عظيمُ القَدْرِ، وهو أصلٌ كبيرٌ من أصولِ القضايا والأحكامِ؛ فإنَّ القَضاءَ بَيْنَ النَّاسِ إنَّما يكونُ عِندَ التَّنازُعِ، هذا يدَّعي على هذا حَقًّا من الحقوقِ، فيُنكِرُه، وهذا يدَّعي براءتَه من الحَقِّ الذي كان ثابتًا عليه، فبيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصلًا يَفُضُّ نزاعَهم، ويتَّضِحُ به المحِقُّ من المبطِلِ، فمَن ادَّعى عَينًا من الأعيانِ، أو دَينًا، أو حَقًّا من الحقوقِ وتوابِعِها على غيرِه، وأنكَره ذلك الغيرُ؛ فالأصلُ مع المُنكِرِ، فهذا المدَّعي إن أتى ببيِّنةٍ تُثبِتُ ذلك الحَقَّ، ثَبَت له وحُكِمَ له به، وإن لم يأتِ ببيِّنةٍ فليس له على الآخَرِ إلَّا اليمينُ، وكذلك من ادَّعى براءتَه من الحَقِّ الذي عليه، وأنكَر صاحِبُ الحَقِّ ذلك، وقال: إنَّه باقٍ في ذمَّتِه، فإنْ لم يأتِ مُدَّعي الوفاءِ والبراءةِ ببيِّنةٍ، وإلَّا حُكِم ببقاءِ الحَقِّ في ذِمَّتِه؛ لأنَّه الأصلُ. ولكِنْ على صاحِبِ الحقِّ اليمينُ ببقائِه) [1562] ((بهجة قلوب الأبرار)) (ص: 135). .

انظر أيضا: