موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: قِصَصٌ ونماذِجُ من صُورِ الهَمْزِ واللَّمزِ


1- الهَمْزُ واللَّمزُ من صفاتِ المُنافِقين.
وقد تصَدَّق أبو خيثمةَ الأنصاريِّ زَمنَ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بصاعِ تمرٍ، فلمَزه المُنافِقون [7280] أخرجه مسلم (2769) من حديثِ كعبِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، بلفظ: ((قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُنْ أبا خَيثمةَ. فإذا هو أبو خيثمةَ الأنصاريَّ، وهو الذي تصدَّقَ بصاعِ التَّمرِ حينَ لَمَزه المُنافِقون)). ، أي: عابوه ووقَعوا فيه [7281] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (8/ 278). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (لمَّا حَضَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الإنفاقِ عامَ تَبوكَ جاء بعضُ الصَّحابةِ بصُرَّةٍ كادت يَدُه تَعجِزُ مِن حَملِها، فقالوا: هذا مُراءٍ! وجاء بعضُهم بصاعٍ فقالوا: لقد كان اللهُ غنيًّا عن صاعِ فلانٍ! فلمزوا هذا وهذا؛ فأنزل اللهُ ذلك، وصار عِبرةً فيمن يلمِزُ المُؤمِنين المطيعين للهِ ورسولِه) [7282] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/ 176). .
عن أبي مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (لَمَّا أُمِرْنا بالصَّدَقةِ كُنَّا نتحامَلُ، فجاء أبو عَقيلٍ بنِصفِ صاعٍ، وجاء إنسانٌ بأكثَرَ منه، فقال المُنافِقون: إنَّ اللهَ لغنيٌّ عن صدقةِ هذا، وما فعل هذا الآخَرُ إلَّا رئاءً! فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ... [التوبة: 79] الآية) [7283] رواه البخاري (4668) واللفظ له، ومسلم (1018). .
2- ذُكِر معروفٌ الكَرخيُّ في مجلِسِ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، فقال بعضُ مَن حضَره: هو قصيرُ العِلمِ! قال أحمدُ: أمسِكْ عافاك اللهُ! وهل يرادُ من العِلمِ إلَّا ما وصل إليه معروفٌ؟! [7284] ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى الفراء (2/ 207). .
3- قال سُفيانُ بنُ الحصينِ: (كنتُ جالِسًا عِندَ إياسِ بنِ معاويةَ، فمَرَّ رجُلٌ فنِلتُ منه، فقال: اسكُتْ! ثمَّ قال لي: هل غزوتَ الرُّومَ؟ قلتُ: لا، قال: هل غزوتَ التُّركَ؟ قلتُ: لا، قال: سَلِم منك الرُّومُ، وسَلِم منك التُّركُ، ولم يَسلَمْ منك أخوك المُسلِمُ؟! قال: فما عُدتُ إلى ذلك بَعْدُ) [7285] ((تنبيه الغافلين)) لأبي الليث السمرقندي (ص: 165). .
4- روى خالِدٌ الرَّبعيُّ قال: (كنتُ في المسجِدِ الجامعِ، فتناولوا رجلًا فنهيتُهم عن ذلك، فكفُّوا وأخذوا في غيرِه، ثمَّ عادوا إليه، فدخَلتُ معهم في شيءٍ من أمرِه، فرأيتُ تلك اللَّيلةَ في المنامِ كأني أتاني رجلٌ أسودُ طويلٌ ومعه طَبَقٌ عليه قِطعةٌ من لحمِ خِنزيرٍ، فقال لي: كُلْ، فقُلتُ: آكُلُ لحمَ الِخنزيرِ؟! واللهِ لا آكُلُه! فانتَهَرني انتهارًا شديدًا، وقال: قد أكَلْتَ ما هو شرٌّ منه، فجَعَل يدُسُّه في فمي حتى استيقظتُ من منامي! فواللهِ لقد مكَثتُ ثلاثين يومًا أو أربعين يومًا ما أكلتُ طعامًا إلَّا وجدتُ طَعمَ ذلك اللَّحمِ ونَتْنَه في فمي!) [7286] ((تنبيه الغافلين)) لأبي الليث السمرقندي (ص: 165). .
5- قال أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ فَرحونَ القُرطبيُّ: (كان لي عمٌّ توفِّي سنةَ خَمسٍ وخمسينَ وخمسِمائةٍ، فرأيتُه بعدَ ذلك في المنامِ وهو داخِلٌ عليَّ في داري، فقمتُ إليه ولاقيتُه بقُربِ البابِ، وسلَّمتُ عليه، ودخَلتُ خَلفَه، فلمَّا توسَّط في البيتِ قعَد واستنَد بظَهرِه إلى الجدارِ، فقعَدتُ بَيْنَ يديه، فرأيتُه شاحِبَ اللَّونِ متغيِّرًا، فقلتُ له: يا عمَّاه، ماذا لقيتَ مِن رَبِّك؟! قال: ما يلقى من الكريمِ يا بُنَيَّ، سَمَح لي في كُلِّ شيءٍ إلَّا في الغِيبةِ! فإني منذُ فارقتُ الدُّنيا إلى الآن محبوسٌ فيها، ما سمَح لي بعدُ فيها؛ فأنا أوصيك يا بُنَيَّ: إيَّاك والغِيبةَ والنَّميمةَ! فما رأيتُ في هذه الدَّارِ شَيئًا أشَدَّ بطشًا وطلَبًا من الغِيبةِ، وتركني وانصرَف!) [7287] ((بحر الدموع)) لابن الجوزي (ص: 132). .

انظر أيضا: