موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


قِصَّةٌ فيما تفعَلُه النَّميمةُ:
عن حمَّادِ بنِ سَلَمةَ قال: باع رجُلٌ من رجُلٍ غلامًا له، وقال: أبرَأُ إليك من النَّميمةِ، فاشتراه على ذلك، فجاء إلى مولاتِه، فقال: إنَّ زَوجَكِ ليس يحِبُّك وهو يتسَرَّى عليك ويتزوَّجُ، أفتريدين أن يَعطِفَ عليك؟ قالت: نعم، قال: خذي موسى فاحلقي به شَعَراتٍ من باطِنِ لحيتِه وبَخِّريه بها، وجاء إلى الرَّجُلِ فقال: إنَّ امرأتَك تبغي وتصادِقُ وهي قاتِلَتُك، أفتريدُ أن يَبينَ لك ذلك؟ قال: نعم، قال: تناوَمْ لها، قال: فتناوَمَ لها فجاءت بموسى تحلِقُ الشَّعرَ، فأخَذَها فقَتَلها فأخَذَه أولياؤُها فقَتَلوه [7061] ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص: 179). ويُنظَر: ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 159). !
قال رجُلٌ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (يا أميرَ المُؤمِنين، احذَرْ قاتِلَ الثَّلاثةِ، قال: وَيْلَك! مَن قاتِلُ الثَّلاثةِ؟ قال: الرَّجُلُ يأتي الإمامَ بالحديثِ الكَذِبِ، فيَقتُلُ الإمامُ ذلك الرَّجُلَ بحديثِ هذا الكَذَّابِ؛ ليكونَ قد قَتَل نَفْسَه، وصاحِبَه، وإمامَه) [7062] رواه الخرائطي في ((مساوئ الأخلاق)) (211) واللفظ له، والبيهقي (17121). .
النَّميمةُ تَقتُلُ صاحِبَها:
 (كان رجُلٌ يغشي بعضَ المُلوكِ، فيقومُ بحِذاءِ المَلِكِ، ويقولُ: أحسِنْ إلى المحسِنِ بإحسانِه، والمسيءُ ستكفيه مساوِئُه، فحسَده رجُلٌ على ذلك المقامِ والكلامِ، فسعى به إلى المَلِكِ، فقال: إنَّ هذا الذي يقومُ بحذائِك، ويقولُ ما يقولُ، يزعُمُ أنَّ المَلِكَ أَبخَرُ [7063] البَخَرُ: الرَّائحةُ المتغَيِّرةُ من الفَمِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/47). . فقال له المَلِكُ: وكيف يَصِحُّ ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك، فإذا دنا منك وَضَع يَدَه على أنفِه؛ لئلَّا يَشَمَّ ريحَ البَخَرِ. فقال له المَلِكُ: انصَرِفْ حتَّى أنظُرَ، فخَرَج من عِندِ المَلِكِ، فدعا الرَّجُلَ إلى منزِلِه، فأطعَمَه طعامًا فيه ثُومٌ، فخرج الرَّجُلُ مِن عِندِه، وقام بحِذاءِ المَلِكِ، فقال: أحسِنْ إلى المحسِنِ بإحسانِه، والمسيءُ ستكفيه مساوئُه! فقال له المَلِكُ: ادْنُ منِّي، فدنا منه، فوَضَع يَدَه على فيه؛ مخافةَ أن يَشتَمَّ المَلِكُ منه رِيحَ الثُّومِ. فقال المَلِكُ في نفسِه: ما أرى فلانًا إلَّا وقد صَدَق، وكان المَلِكُ لا يكتُبُ بخَطِّه إلَّا جائِزةً أو صِلةً، فكَتَب له كتابًا بخَطِّه إلى عامِلٍ مِن عُمَّالِه: إذا أتاك حامِلُ كتابي هذا، فاذبَحْه، واسلُخْه، واحشُ جِلْدَه تِبنًا، وابعَثْ به إليَّ. فأخَذ الرَّجُلُ الكِتابَ وخرَج، فلَقِيه الرَّجُلُ الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتابُ؟ قال: خَطَّ المَلِكُ لي بصِلةٍ، فقال: هَبْه لي. فقال: هو لك، فأخَذه، ومضى إلى العامِلِ، فقال العامِلُ: في كتابِك أن أذبَحَك وأسلُخَك! قال: إنَّ الكتابَ ليس هو لي، اللَّهَ اللَّهَ في أمري حتَّى أرجِعَ إلى المَلِكِ! فقال: ليس لكِتابِ المَلِكِ مُراجعةٌ. فذبحَه وسلَخَه وحشا جِلدَه تِبنًا، وبَعَث به، ثمَّ عاد الرَّجُلُ إلى المَلِكِ كعادتِه، وقال مِثلَ قَولِه، فعَجِبَ المَلِكُ وقال: ما فَعَل الكِتابُ؟ قال: لَقِيَني فلانٌ، فاستوهَبَني إيَّاه، فوهَبْتُه له، فقال المَلِكُ: إنَّه ذَكَر لي أنَّك تزعُمُ أنِّي أَبخَرُ! قال: ما فعَلْتُ، قال: فلِمَ وَضَعْتَ يَدَك على فيك؟ قال: كان أطعَمَني طعامًا فيه ثُومٌ، فكَرِهتُ أن تَشَمَّه. قال: صدَقْتَ، ارجِعْ إلى مكانِك، فقد كفاك المسيءُ مَساوِئَه!) [7064] ((بدائع السلك في طبائع الملك)) لابن الأزرق (533، 534). .
ضَرَرُ عَمَلِ النَّمَّامِ:
يقالُ: (عَمَلُ النَّمَّامِ أضَرُّ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ؛ لأنَّ عَمَلَ الشَّيطانِ بالخَيالِ والوَسْوسةِ، وعَمَلَ النَّمَّامِ بالمواجَهةِ والمُعاينةِ) [7065] ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 172). .
وَصِيَّةٌ:
(قال لُقمانُ لابنِه: يا بُنَيَّ، أوصيك بخِلالٍ، إن تمسَّكْتَ بهِنَّ لم تَزَلْ سَيِّدًا: ابسُطْ خُلُقَك للقريبِ والبعيدِ، وأمسِكْ جَهْلَك عن الكريمِ واللَّئيمِ، واحفَظْ إخوانَك، وصِلْ أقارِبَك، وآمِنْهم من قَبولِ قَولِ ساعٍ، أو سماعِ باغٍ يريدُ فَسادَك، ويَرومُ خِداعَك، وليَكُنْ إخوانُك مَن إذا فارَقْتَهم وفارقوك لم تَعِبْهم ولم يَعيبوك) [7066] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/156، 157). .
الصِّدقُ المذمومُ:
قال بعضُ العُلَماءِ: (يُفسِدُ النَّمَّامُ في ساعةٍ ما لا يُفسِدُ السَّاحِرُ في شَهرٍ، ولترغيبِ الشَّارعِ في الإصلاحِ بَيْنَ النَّاسِ أباح الكَذِبَ فيه، ولزَجْرِه عن الإفسادِ حَرَّم الصِّدقَ فيه) [7067] ((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) لابن الملقن (1/545). .
وقال المأمونُ: (حَسْبُك من السِّعايةِ أنْ ليس في الدُّنيا صِدقٌ مذمومٌ غيرُها) [7068] ((محاضرات الأدباء)) للراغب (1/ 470). .
وقد ذُكِر السُّعاةُ عِندَ المأمونِ، فقال: (لو لم يكُنْ في عَيبِهم إلَّا أنَّهم أصدَقَ ما يكونون أبغَضُ ما يكونون إلى اللَّهِ تعالى، لكفاهم!) [7069] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 182). .
وقال بَعضُ الحُكَماءِ: (الصِّدقُ يَزينُ كُلَّ أحَدٍ إلَّا السُّعاةَ؛ فإنَّ السَّاعيَ أذَمُّ وآثَمُ ما يكونُ إذا صَدَق) [7070] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 268). .

انظر أيضا: