موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: الوسائِلُ المُعينةُ على اكتِسابِ صِفةِ التَّأنِّي


1- الدُّعاءُ:
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعو اللهَ بأن يهديَه إلى أحسَنِ الأخلاقِ، فكان من دُعائِه: ((واهْدِني لأحسَنِ الأخلاقِ؛ لا يهدي لأحسَنِها إلَّا أنت، واصرِفْ عنِّي سَيِّئَها؛ لا يَصرِفُ عنِّي سَيِّئَها إلَّا أنت)) [1463] أخرجه مسلم (771) مطوَّلًا من حديثِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه. .
2- النَّظَرُ في عواقِبِ الاستِعجالِ:
قال أبو إسحاقَ القَيروانيُّ: (قال بعضُ الحُكَماءِ: إيَّاك والعَجَلةَ؛ فإنَّ العَرَبَ كانت تُكَنِّيها أمَّ النَّدامةِ؛ لأنَّ صاحِبَها يقولُ قَبلَ أن يعلَمَ، ويجيبُ قَبلَ أن يَفهَمَ، ويَعزِمُ قَبلَ أن يُفَكِّرَ، ويَقطَعُ قَبلَ أن يَقدِرَ، ويَحمَدُ قَبلَ أن يُجَرِّبَ، ويَذُمُّ قَبلَ أن يَخبُرَ، ولن يصحَبَ هذه الصِّفةَ أحدٌ إلَّا صَحِب النَّدامةَ، واعتَزَل السَّلامةَ) [1464] ((زهر الآداب وثمر الألباب)) (4/942). .
3- معرفةُ معاني أسماءِ اللهِ وصِفاتِه:
فمن أسمائِه سُبحانَه: الحليمُ والرَّفيقُ، ومن معانيهما: التَّأنِّي في الأمورِ، والتَّدرُّجُ فيها، ومن ذلك إمهالُ الكافِرين والظَّالِمين؛ إقامةً للحُجَّةِ وقطعًا للمَحجَّةِ؛ ليَهلِكَ مَن هلَك عن بيِّنةٍ، ويحيا من حَيَّ عن بيِّنةٍ [1465] يُنظَر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/557)، ((صفات الله -عز وجل- الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف (1/139، 180). .
قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [يونس: 11] .
4- قراءةُ سيرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
فنستفيدُ مِن سيرتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّأنِّيَ والصَّبرَ على الإيذاءِ؛ قال خبَّابُ بنُ الأرَتِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((شكَونا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو متوَسِّدٌ [1466] الوِسادُ والوِسادةُ: المخدَّةُ، وقد وسَّدْتُه الشيءَ فتوسدَّه: إذا جعَله تحتَ رأسِه. يُنظَر: ((الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية)) للجوهري (2/ 550). بُردةً [1467] بُردةً: أي: كِساءً أسوَدَ مُرَبَّعٌ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (10/ 96). له في ظِلِّ الكعبةِ، قُلْنا له: ألَا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألَا تَدْعو اللهَ لنا؟ قال: كان الرَّجلُ فيمَنْ قبلَكم يُحفَرُ له في الأرْضِ، فيُجعَلُ فيهِ، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُشَقُّ باثْنتَينِ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينِه، ويُمشَطُ بأمْشاطِ الحَديدِ ما دُونَ لَحمِه مِن عظْمٍ أو عَصَبٍ، وما يصُدُّهُ ذلك عن دِينِه، واللهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمرَ، حتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوتَ، لا يَخافُ إلَّا اللهَ أو الذِّئْبَ على غَنَمِه، ولكنَّكم تَستعجِلونَ)) [1468] أخرجه البخاري (3612). .
5- قراءةُ سيرةِ السَّلَفِ الصَّالحِ:
ففي سيرةِ سَلَفِنا الصَّالحِ نماذِجُ كثيرةٌ تدُلُّ على تحَلِّيهم بخُلُقِ التَّأنِّي، والتَّريُّثِ في أمورِهم؛ فقراءةُ سِيَرِهم تُعينُ على الاقتداءِ بهم، وانتِهاجِ طَريقِهم.
6- استشارةُ أهلِ الصَّلاحِ والخِبرةِ:
إذا أقدَم الشَّخصُ على أمرٍ يجهَلُه فعليه أن يستشيرَ أهلَ الصَّلاحِ والخبرةِ، ولا يتعجَّلَ في أمرِه؛ قال تعالى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] .
قال الماوَرْديُّ: (الحَزمُ لكُلِّ ذي لُبٍّ ألَّا يُبرِمَ أمرًا ولا يُمضيَ عَزمًا إلَّا بمشورةِ ذي الرَّأيِ النَّاصِحِ، ومطالَعةِ ذي العَقلِ الرَّاجِحِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى أمر بالمشورةِ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع ما تكفَّل به من إرشادِه، ووعَد به من تأييدِه، فقال تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.. وقال الحسَنُ البَصريُّ رحمه اللهُ تعالى: أمَره بمشاورتِهم ليستَنَّ به المُسلِمون، ويتَّبِعَه فيها المؤمنون، وإن كان عن مشورتِهم غَنيًّا) [1469] ((أدب الدنيا والدين)) (1/300). .

انظر أيضا: