موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِن السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن أبي هرَيرةَ رَضي الله عنه أنَّ رَسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يعقِدُ الشَّيطانُ على قافيةِ [6228] القافيةُ: آخِرُ الرَّأسِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (6/65). رأسِ أحَدِكم إذا هو نام ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضرِبُ كُلَّ عُقدةٍ: عليك ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإن استيقَظَ فذَكَر اللهَ انحَلَّت عُقدةٌ، فإن توضَّأ انحَلَّت عُقدةٌ، فإنْ صَلَّى انحَلَّت عُقدةٌ، فأصبح نشيطًا طَيِّبَ النَّفسِ، وإلَّا أصبح خبيثَ النَّفسِ كَسْلانَ)) [6229] رواه البخاري (1142). .
قال النَّوويُّ: (وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإلَّا أصبَحَ خَبيثَ النَّفسِ كَسْلانَ)) مَعناه: لِما عليه مِن عُقَدِ الشَّيطانِ وآثارِ تَثبيطِه واستيلائِه، مَعَ أنَّه لم يَزُلْ ذلك عنه، وظاهرُ الحَديثِ أنَّ مَن لم يجمَعْ بَينَ الأُمورِ الثَّلاثةِ -وهي الذِّكرُ والوُضوءُ والصَّلاةُ- فهو داخِلٌ فيمَن يُصبحُ خَبيثَ النَّفسِ كَسْلانَ) [6230] ((شرح النووي على مسلم)) (6/67). .
- عن عائِشةَ رَضي الله عنها أنَّ رَسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يتَعَوَّذُ ويقولُ: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن الكَسَلِ والهَرَمِ، والمَأثَمِ والمَغرَمِ)) [6231] رواه مطولًا البخاري (6368) واللفظ له، ومسلم (589). .
- عن أنَسِ بنِ مالكٍ قال: كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن العَجزِ والكَسَلِ، والجُبنِ والهَرَمِ والبُخلِ، وأعوذُ بك مِن عَذابِ القَبرِ، ومِن فِتنةِ المَحيا والمَماتِ)) [6232] رواه البخاري (2823)، ومسلم (2706) واللفظ له. .
- عن أنَسِ بنِ مالكٍ قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكَسَلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وضَلَعِ الدَّينِ [6233] ضَلَعُ الدَّينِ: ثِقَلُه. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 216). ، وغَلَبةِ الرِّجالِ)) [6234] رواه البخاري (6369). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَعاذَ مِن الهَمِّ والحَزَنِ، وهما قَرينانِ، ومِن العَجزِ والكَسَلِ، وهما قَرينانِ، فإنَّ تَخَلُّفَ كَمالِ العَبدِ وصَلاحِه عنه إمَّا أن يكونَ لعَدَمِ قُدرَتِه عليه، فهو عَجزٌ، أو يكونَ قادِرًا عليه، لكِن لا يُريدُ، فهو كَسَلٌ، وينشَأُ عن هاتَينِ الصِّفتَينِ فواتُ كُلِّ خَيرٍ، وحُصولُ كُلِّ شَرٍّ، ومِن ذلك الشَّرِّ تَعطيلُه عن النَّفعِ ببَدَنِه، وهو الجُبنُ، وعن النَّفعِ بمالِه، وهو البُخلُ، ثُمَّ ينشَأُ له بذلك غَلَبتانِ: غَلبةٌ بحَقٍّ، وهي غَلَبةُ الدَّينِ، وغَلَبةٌ بباطِلٍ، وهي غَلَبةُ الرِّجالِ، وكُلُّ هذه المَفاسِدِ ثَمَرةُ العَجزِ والكَسَلِ) [6235] ((زاد المعاد)) (2/ 329). .
وقال ابنُ بَطَّالٍ: (الاستِعاذةُ مِن العَجزِ والكَسَلِ؛ لأنَّهما يمنَعانِ العَبدَ مِن أداءِ حُقوقِ اللهِ، وحُقوقِ نَفسِه وأهلِه، وتَضييعِ النَّظَرِ في أمرِ مَعادِه وأمرِ دُنياه، وقد أُمِرَ المُؤمِنُ بالاجتِهادِ في العَمَلِ، والإجمالِ في الطَّلَبِ، ولا يكونُ عالةً ولا عِيالًا على غَيرِه، ما مُتِّعَ بصِحَّةِ جَوارِحِه وعَقلِه) [6236] ((شرح صحيح البخاري)) (10/119). .
وقال الكَلاباذيُّ: (الكَسَلُ: فُتورٌ في الإنسانِ عن الواجِباتِ؛ فإنَّ الفُتورَ إذا كان في الفُضولِ وما لا ينبَغي فليسَ بكسَلٍ، بل هو عِصمةٌ، وإذا كان في الواجِباتِ فهو كَسَلٌ، وهو الثِّقَلُ، والفُتورُ عن القيامِ بالواجِبِ، وهو الخِذلانُ؛ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46] ، وعاتَبَ اللهُ المُؤمِنينَ في التَّثاقُلِ عن الواجِبِ، والفُتورِ فيه، فقال عَزَّ وجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة: 38] . والهَرَمُ: فُتورٌ مِن ضَعفٍ يحُلُّ بالإنسانِ، فلا يكونُ به نُهوضٌ، ففُتورُ الهَرَمِ فُتورُ عَجزٍ، وفُتورُ الكَسَلِ فُتورُ تَثبيطٍ وتَأخيرٍ؛ فاستَعاذ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الفُتورِ في أداءِ الحُقوقِ، والقيامِ بواجِب الحَقِّ مِن الوجهَينِ جَميعًا: مِن جِهةِ عَجزٍ ضَرورةً، وحِرمانٍ مِنها، مَعَ الإمكانِ) [6237] ((بحر الفوائد)) (ص: 231). .
- وعن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، ولكُلِّ شِرَّةٍ فَترةٌ، فمَن كانت فترَتُه إلى سُنَّتي فقد أفلحَ، ومَن كانت إلى غَيرِ ذلك فقد هَلك)) [6238] رواه أحمد (6958) واللفظ له، وابن خزيمة (2105)، وابن حبان (11). صحَّحه ابن حبان، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (20)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2152)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند)) (810). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ مِن النَّاسِ مَن يكونُ له شِدَّةٌ ونَشاطٌ وحِدَّةٌ، واجتِهادٌ عَظيمٌ في العِبادةِ، ثُمَّ لا بُدَّ مِن فُتورٍ في ذلك. وهم في الفترةِ نَوعانِ: مِنهم مِن يلزَمُ السُّنَّةَ، فلا يترُكُ ما أُمِرَ به، ولا يفعَلُ ما نُهيَ عنه، بل يلزَمُ عِبادةَ اللهِ إلى المَماتِ، ومِنهم مَن يخرُجُ إلى بدعةٍ في دينِه، أو فُجورٍ في دُنياه، حتَّى يُشيرَ إليه النَّاسُ، فيُقالُ: هذا كان مُجتَهِدًا في الدِّينِ، ثُمَّ صارَ كذا وكذا! فهذا مِمَّا يُخافُ على مَن بَدَّل عن العِباداتِ الشَّرعيَّةِ إلى الزِّياداتِ البِدعيَّةِ) [6239] ((جامع المسائل)) (5/375). .

انظر أيضا: