موسوعة الأخلاق والسلوك

خامِسًا: أقسامُ الغِيبةِ


للغِيبةِ ثلاثةُ أقسامٍ:
1- الغِيبةُ المحَرَّمةُ:
وهي ذِكرُك أخاك المُسلِمَ في غَيبتِه بما يَكرَهُ، بعَيبٍ فيه مَخفيٍّ، سواءٌ كان هذا العَيبُ خِلْقيًّا أم خُلُقيًّا، في دينِه أو دُنياه، ولا شَكَّ أنَّه محرَّمٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ؛ للأدِلَّةِ الوارِدةِ سَلَفًا في هذا البابِ.
قال ابنُ القَيِّمِ وهو يتحَدَّثُ عن الغِيبةِ: (وإذا وقَعَت على وَجهِ ذَمِّ أخيك، وتمزيقِ عِرْضِه، والتَّفَكُّهِ بلَحمِه، والغَضِّ منه؛ لتَضَعَ مَنزلتَه من قُلوبِ النَّاسِ، فهي الدَّاءُ العُضالُ، ونارُ الحَسَناتِ التي تأكُلُها كما تأكُلُ النَّارُ الحَطَبَ) [5627] ((الروح)) (ص: 240). .
2- الغِيبةُ الواجِبةُ:
هي الغِيبةُ التي بها يحصُلُ للفَردِ نجاةٌ ممَّا لا يُحمَدُ عُقباه، أو مُصيبةٌ كانت محتَمَلةَ الوُقوعِ به، مِثُل التي تُطلَبُ للنَّصيحةِ عِندَ الإقبالِ على الزَّواجِ لمَعرفةِ حالِ الزَّوجِ، أو كأن يقولَ شَخصٌ لآخَرَ محَذِّرًا له من شَخصٍ شِرِّيرٍ: إنَّ فُلانًا يريدُ قَتْلَك في المكانِ الفُلانيِّ، أو يريدُ سَرِقةَ مالِك في السَّاعةِ الفُلانيَّةِ، وهذا من بابِ النَّصيحةِ.
3- الغِيبةُ المباحةُ:
كما أنَّ الغِيبةَ مُحَرَّمةٌ لِما فيها من أضرارٍ تَمَسُّ الفَردَ، إلَّا أنَّها مباحةٌ بضَوابِطِها لغَرَضٍ شَرعيٍّ صحيحٍ، لا يمكِنُ الوُصولُ لهذا الغَرَضِ إلَّا بهذه الغِيبةِ، وبدونِ هذه الضَّوابطِ تُصبِحُ مُحرَّمةً.
والأغراضُ التي تبيحُ الغِيبةَ جمَعَها ابنُ أبي شريفٍ في قَولِه:
الذَّمُّ ليس بغِيبةٍ في سِتَّةٍ
مُتظَلِّمٍ ومُعَرِّفٍ ومُحذِّرِ
ولمُظهِرٍ فِسقًا ومُستَفتٍ ومَن
طَلَب الإعانةَ في إزالةِ مُنكَرِ [5628] ((سبل السلام)) لابن الأمير الصنعاني (4/194).
عن الحَسَنِ قال: (لا غِيبةَ إلَّا لثلاثةٍ: فاسِقٍ مجاهِرٍ بالفِسقِ، وذي بِدعةٍ، وإمامٍ جائِرٍ) [5629] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 17). .
قال السَّمَرْقَنديُّ: (ثلاثةٌ لا تكونُ غِيبتُهم غِيبةً: سُلطانٌ جائرٌ، وفاسِقٌ مُعلِنٌ، وصاحِبُ بِدعةٍ. يعني: إذا ذَكَر فِعْلَهم ومَذهَبَهم. ولو ذَكَر شيئًا من أبدانِهم بعَيبٍ فيهم لكان ذلك غِيبةً، ولكِنْ إذا ذَكَر فِعلَهم ومَذهَبَهم فلا بأسَ؛ لكي يَحذَرَهم النَّاسُ) [5630] ((تنبيه الغافلين)) (ص: 167). .
و(قال عيسى: لا غِيبةَ في ثلاثٍ: إمامٍ جائرٍ، وفاسِقٍ مُعلِنٍ، وصاحِبِ بِدعةٍ.
قال محمَّدُ بنُ رُشدٍ: إنَّما لم يكُنْ في هؤلاء غِيبةٌ؛ لأنَّ الغِيبةَ إنَّما هي بأن يُذكَرَ مِنَ الرَّجُلِ ما يَكرَهُ أن يُذكَرَ عنه لمن لا يَعلَمُ ذلك منه، والإمامُ الجائِرُ، والفاسِقُ المُعلِنُ، قد اشتهر أمرُهما عِندَ النَّاسِ؛ فلا غِيبةَ في أن يُذكَرَ مِن جَورِ الجائِرِ وفِسقِ الفاسِقِ ما هو معلومٌ من كُلِّ واحدٍ منهما، وصاحِبُ البِدعةِ يَدينُ ببِدعتِه، ويعتَقِدُ أنَّه على الحَقِّ فيها، وأنَّ غيرَه على الخطَأِ في مخالفتِه في بدعتِه، فلا غِيبةَ فيه؛ لأنَّه إن كان مُعلِنًا بها فهو يحِبُّ أن يُذكَرَ بها، وإن كان مستَتِرًا بها فواجِبٌ أن يُذكَرَ بها، ويُحفَظَ النَّاسُ من اتِّباعِه عليها) [5631] ((البيان والتحصيل)) لابن رشد القرطبي (17/575). .
فإذا وقعَت الغِيبةُ على وَجهِ النَّصيحةِ للهِ ورَسولِه، وعبادِه المُسلِمين، فهي قُربةٌ إلى اللهِ من جملةِ الحَسَناتِ [5632] ((الروح)) لابن القيم (ص: 240). .

انظر أيضا: