موسوعة الأخلاق والسلوك

 أ - نَماذِجُ مِن غَضَبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للهِ (الغَضَبُ المَحمودُ)


النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما كان يغضَبُ لنَفسِه، وما كان ينتَصِرُ لها، بَل كان غَضَبُه للهِ، وحينَما تُنتَهكُ حُرُماتُه.
 قال أحمد شوقي، وهو يذكُرُ بَعضَ أخلاقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
وإذا غضِبتَ فإنَّما هي غَضبةٌ
في الحَقِّ لا ضِغنٌ ولا بغضاءُ
وإذا رَضيتَ فذاك في مَرضاتِه
ورِضا الكثيرِ تحلُّمٌ ورياءُ [5342] ((الشوقيات)) (1/36).
وإليكم نَماذِجَ مِن غَضَبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للهِ، وعِندَما تُنتَهكُ حُرُماتُه.
 - عن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: ((دَخَل عليَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي البَيتِ قِرامٌ [5343] قِرامٌ: أي: سِترٌ. يُنظَر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (9/67). فيه صُوَرٌ، فتَلوَّنَ وجهُه، ثُمَّ تَناوَل السِّترَ فهَتَكه، وقالت: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مِن أشَدِّ النَّاسِ عَذابًا يومَ القيامةِ الذين يُصَوِّرونَ هذه الصُّورَ)) [5344] رواه البخاري (6109) واللفظ له، ومسلم (2107). .
- عن أبي مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى رجلٌ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عن صَلَاةِ الغَدَاةِ مِن أجْلِ فُلَانٍ؛ ممَّا يُطِيلُ بنَا فِيهَا، قالَ: فما رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطُّ أشَدَّ غَضَبًا في مَوعِظةٍ منه يَومَئِذٍ! ثُمَّ قالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ مِنكم مُنَفِّرينَ، فأيُّكم ما صَلَّى بالنَّاسِ فلْيُوجِزْ؛ فإنَّ فيهم الكَبيرَ والضَّعيفَ وذا الحاجةِ)) [5345] رواه البخاري (6110) واللفظ له، ومسلم (466). .
- وعن عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه قال: ((بَينا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي رَأى في قِبلةِ المَسجِدِ نُخامةً فحَكَّها بيدِه، فتَغَيَّظَ [5346] (فتغيَّظ) من الغيظِ، وهو صفةٌ تعترِضُ للرَّجُلِ عِندَ احتدادِه لمحَرِّكٍ لها. يُنظَر: ((شرح أبي داود)) للعيني (2/392). ثُمَّ قال: إنَّ أحَدَكم إذا كان في الصَّلاةِ فإنَّ اللهَ حِيالَ [5347] أي: تلقاءَ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/518). وجهِه، فلا يتَنَخَّمَنَّ حيالَ وَجهِه في الصَّلاةِ)) [5348] رواه البخاري (6111) واللفظ له، ومسلم (547). .
- وعن زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ أنَّ رَجُلًا سَأل رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن اللُّقَطةِ، فقال: ((عَرِّفْها سَنةً، ثُمَّ اعرِفْ وِكاءَها [5349] الوِكاءُ هو الخيطُ الذي يُشَدُّ به الوعاءُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/21). وعِفاصَها [5350] العِفاصُ: الوعاءُ الذي تكونُ فيه النَّفَقةُ جِلدًا كان أو غيرَه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/21). ، ثمَّ استنفِقْ بها [5351] استنفِقْ بها: أي: تملَّكْها ثمَّ أنفِقْها على نفسِك. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/23). ، فإن جاءَ رَبُّها فأدِّها إليه. قال: يا رَسولَ اللهِ، فضالَّةُ الغَنَمِ ؟ قال: خُذْها؛ فإنَّما هي لك، أو لأخيك، أو للذِّئبِ. قال: يا رَسولَ اللهِ، فضالَّةُ الإبِلِ؟ قال: فغَضِبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى احمَرَّت وجنَتاه [5352] الوَجنةُ: هي اللَّحمُ المرتفِعُ من الخدَّينِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/24). ، أو احمرَّ وجهُه! ثُمَّ قال: ما لك ولها، مَعَها حِذاؤُها [5353] الِحذاءُ: أي: خُفُّها. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/83). ، وسِقاؤها [5354] يريدُ أنَّها تقوى على ورودِ المياهِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (14/170). ، حتَّى يلقاها رَبُّها)) [5355] رواه البخاري (2436)، ومسلم (1722). .
- وعن زَيدِ بنِ ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: ((احتَجَر [5356] احتَجَر: أي: اتَّخَذ شِبهَ الحُجرةِ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (2/100). رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُجَيرةً مُخَصَّفةً [5357] حُجيرةً مخَصَّفةً: ثوبٌ أو حصيرٌ قَطَع به مكانًا في المسجِدِ واستتر وراءَه. يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/295). ، أو حَصيرًا، فخَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي فيها، فتَتَبَّعَ إليه رِجالٌ، وجاؤوا يُصَلُّونَ بصَلاتِه، ثُمَّ جاؤوا ليلةً فحَضَروا وأبطَأ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنهم، فلم يخرُجْ إليهم، فرَفعوا أصواتَهم، وحَصَبوا البابَ [5358] حصبوا البابَ: أي رموه بالحَصباءِ: وهي الحصا الصِّغارُ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (2/100). ، فخَرَجَ إليهم مُغضَبًا، فقال لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما زال بكم صَنيعُكم حتَّى ظَنَنتُ أنَّه سَيُكتَبُ عليكم، فعليكم بالصَّلاةِ في بُيوتِكم؛ فإنَّ خَيرَ صَلاةِ المَرءِ في بَيتِه إلَّا الصَّلاةَ المَكتوبةَ)) [5359] رواه البخاري (6113) واللفظ له، ومسلم (781). .
- وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه قال: ((بينَما يَهوديٌّ يَعرِضُ سِلعَتَه أُعطِيَ بها شَيئًا كَرِهَه، فقال: لا والذي اصطَفى موسى على البَشَرِ، فسَمِعَه رَجُلٌ من الأنصارِ، فقامَ فلَطمَ وَجْهَه، وقال: تَقولُ: والذي اصطَفى موسى على البَشَرِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينَ أظهُرِنا، فذَهَبَ إليه، فقال: أبا القاسِمِ، إنَّ لي ذِمَّةً وعَهدًا، فما بالُ فُلانٍ لَطمَ وَجهي؟ فقال: لمَ لَطَمْتَ وَجْهَه؟ فذَكرَه، فغَضِبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَتَّى رُئِيَ في وَجهِه، ثُمَّ قال: لا تُفَضِّلوا بينَ أنبياءِ اللهِ؛ فإنَّه يُنفَخُ في الصُّورِ، فيَصعَقُ مَن في السَّمَواتِ ومَن في الأرضِ إلَّا من شاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنفَخُ فيه أُخرى، فأكونُ أوَّلَ من بُعِثَ، فإذا موسى آخِذٌ بالعَرْشِ، فلا أدري أحُوسِبَ بصَعقَتِه يَومَ الطُّورِ أم بُعِثَ قَبْلِي؟ ولا أقولُ: إنَّ أحَدًا أفضَلُ مِن يونُسَ بنِ مَتَّى عليه السَّلامُ)) [5360] رواه البخاري (3414)، ومسلم (2373) واللفظ له. .
- وعن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((رَخَّصُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أمرٍ، فتَنَزَّهَ عنه ناسٌ مِن النَّاسِ! فبَلغَ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فغَضِبَ حتَّى بان الغَضَبُ في وجهِه، ثُمَّ قال: ما بالُ أقوامٍ يرغَبونَ عَمَّا رُخِّصَ لي فيه؟! فواللهِ لأنا أعلمُهم باللهِ وأشَدُّهم له خَشيةً)) [5361] رواه البخاري (6101)، ومسلم (2356) واللفظ له. .
- وعن أبي قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ((رَجُلٌ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كيف تَصومُ؟ فغَضِبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا رَأى عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه غَضَبَه، قال: رَضينا باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمُحَمَّدٍ نَبيًّا، نَعوذُ باللهِ مِن غَضَبِ اللهِ وغَضَبِ رَسولِه! فجَعل عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه يُرَدِّدُ هذا الكلامَ حتَّى سَكنَ غَضَبُه)) [5362] رواه مسلم (1162) مطوَّلًا. .
- وعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ حَياءً مِن العَذراءِ في خِدرِها، فإذا رَأى شَيئًا يكرَهُه عَرَفْناه في وَجهِه)) [5363] رواه البخاري (6102) واللفظ له، ومسلم (2320). .
- وعن عَبدِ اللهِ قال: ((قَسَمُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَسمًا، فقال رَجُلٌ: إنَّها لقِسمةٌ ما أُريدَ بها وجهُ اللهِ! قال: فأتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسارَرتُه، فغَضِبَ مِن ذلك غَضَبًا شَديدًا، واحمَرَّ وجهُه حتَّى تَمَنَّيتُ أنِّي لم أذكُرْه له. قال: ثُمَّ قال: قد أوذِيَ موسى بأكثَرَ مِن هذا فصَبَر!)) [5364] رواه البخاري (3405)، ومسلم (1062) واللفظ له. .

انظر أيضا: