موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: آثارُ الغَدرِ ونَقضِ العَهدِ


للغَدرِ ونَقضِ العَهدِ آثارٌ سَيِّئةٌ وعَواقِبُ وخيمةٌ، ومن أبرَزِ هذه الآثارِ وتلك العَواقِبِ ما يلي:
1- الغَوايةُ والضَّلالُ:
إنَّ الذين يَتَّصِفونَ بالغَدرِ هم بعيدونَ عن كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه، وبسَبَبِ ذلك فقد أغواهم اللهُ تعالى وأضَلَّهم، فلا يوفَّقونَ إلى خَيرٍ، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة: 26 - 27] .
ولمَّا كَفرَ بنو إسرائيلَ باللهِ وخانوا مَواثيقَه أضَلَّهم اللهُ عن الطَّريقِ المستَقيمِ، قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة: 12] ، ثُمَّ قال في آخِرِ الآيةِ بعدَ تَفصيلِ الميثاقِ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة: 12] .
2- قَسوةُ القَلبِ:
لقد كانت قَسوةُ القَلبِ سِمةً بارِزةً في أهلِ الكِتابِ لا سيَّما اليَهودِ؛ لكَثرةِ نَقضِهم العَهدَ والمواثيقَ، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة: 13-14] .
قال ابنُ عَقيلٍ الحَنبَليُّ: (يا من يَجِدُ في قَلبِه قَسوةً، احذَرْ أن تَكونَ نَقَضْتَ عَهدًا؛ فإنَّ اللهَ تعالى يَقولُ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة: 13] ) [5027] ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب الحنبلي (1/ 353). .
3- ضَياعُ المروءةِ وذَهابُ الهَيبةِ وتَسليطُ الأعداءِ:
وما يَتبَعُ ذلك من السَّيطَرةِ على الأوطانِ، واستِنزافِ الخَيراتِ والثَّرَواتِ، وتَغييرِ هُويَّةِ الأُمَّةِ وثَقافَتِها وقيَمِها وأخلاقِها، وسَومِ أبنائِها سوءَ العَذابِ.
قال تعالى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10] .
قال مُحَمَّدُ بنُ كَعبٍ القُرَظيُّ رَضيَ اللهُ تعالى عنه: (ثَلاثُ خِصالٍ من كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البَغيُ، والنَّكثُ [5028] نَكثُ العَهدِ: نقضُه. يُنظَر: ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 177). ، والمَكرُ) [5029] رواه ابنُ أبي الدنيا في ((ذم البغي)) (36). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (كان عاقِبةُ نَقضِ قُرَيشِ العَهدَ مع خُزاعةَ حُلَفاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن غَزاهم المسلمونَ حتَّى فتَحوا مَكَّةَ، واضطُرُّوا إلى طَلَبِ الأمانِ وصاروا بعدَ العِزَّةِ والقوَّةِ في غايةِ الوَهنِ إلى أن دَخَلوا في الإسلامِ، وأكثَرُهم لذلك كارِهٌ) [5030] ((فتح الباري)) (6/285). .
4- تحمُّلُ الجزاءِ المترتِّبِ على الغَدرِ:
ذلك أنَّ الغَدرَ يُؤَدِّي إلى خَسائِرَ بدَنيَّةٍ أو نَفسيَّةٍ أو اجتِماعيَّةٍ أو اقتِصاديَّةٍ، وقد تكونُ هذه جَميعًا.
5- براءةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ الغَدرِ.
6- حُلولُ اللَّعنةِ على الغادِرِ وناقِضِ العَهدِ.
قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [المائدة: 13] .
وفي الحديثِ: ((فمَن أخفَرَ مُسلِمًا فعليه لعنةُ اللهِ والملائِكةِ والنَّاسِ أجمَعينَ)) [5031] رواه مطولًا البخاري (1870) واللفظ له، ومسلم (1370). .
7- الانتظامُ في سِلكِ المنافِقين.
8- الفضيحةُ على رُؤوسِ الأشهادِ:
ذلك أنَّ اللهَ لا يَوقِفُ عِقابَه للغادِرينَ على الدُّنيا، بل يَضُمُّ إلى ذلك عِقابَ الآخِرةَ، وأوَّلُه الفَضيحةُ على رُؤوسِ الأشهادِ، وما أعظَمَه وما أشَدَّه من عِقابٍ! [5032] ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (84-93) بتصرف واختصار. .
9- أنَّ الغَدرَ قد يُؤَدِّي إلى الجَحدِ والكُفرِ، قال تعالى: وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ [لقمان: 32] ، وفي هذا التَّحذيرُ من الغَدرِ؛ لأنَّه قد يَكونُ سَبَبًا في الكُفرِ والجَحدِ؛ ولهذا قال الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أربَعٌ من كُنَّ فيه كان مُنافِقًا خالصًا -وذَكَرَ منها:- إذا عاهَدَ غَدَرَ)) [5033] رواه البخاري (2227). ، فإذا كان لا يَجحَدُ بالآياتِ إلَّا الغَدَّارُ، فمعنى ذلك أنَّ الغَدرَ يَكونُ سَبَبًا للجَحدِ والكُفرِ) [5034] ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 192). .
10- غَدرُ المؤمنِ بما قد عاهَدَ عليه قد يُؤَدِّي إلى عَدَمِ الوُثوقِ بالدِّينِ، ويَصُدُّ عن الدُّخولِ في الإسلامِ بسَبَبِ ذلك.
11- الخُسرانُ عاقِبةُ مَن نَكثَ بعَهدِه ونَقضَ ميثاقَه، قال تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة: 27] .
12- الإغراءُ بالعداوةِ والبغضاءِ:
لمَّا نَقضَ النَّصارى الميثاقَ والعُهودَ وبَدَّلوا دينَهم وضَيَّعوا أمرَ اللهِ أورَثَهم اللهُ العَداوةَ والبَغضاءَ، قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة: 14] .

انظر أيضا: