موسوعة الأخلاق والسلوك

خامِسًا: صُوَرُ العُدوانِ


1- القَتلُ:
مِن صُوَرِ العُدوانِ قَتلُ النَّفسِ بغيرِ حَقٍّ؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 29-30] .
قال السَّعديُّ: (لا يَقتُلْ بعضُكم بعضًا، ولا يَقتُلِ الإنسانُ نفسَه. ويدخُلُ في ذلك الإلقاءُ بالنَّفسِ إلى التَّهلُكةِ، وفِعلُ الأخطارِ المُفضيةِ إلى التَّلَفِ والهلاكِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، ومِن رحمتِه أن صان نفوسَكم وأموالَكم، ونهاكم عن إضاعتِها وإتلافِها، ورتَّب على ذلك ما رتَّبه من الحُدودِ) [4904] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 175). .
ومِن صُوَرِ العُدوانِ في القَتلِ قَتلُ النَّفسِ بالانتِحارِ؛ فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تردَّى [4905] تردَّى: سقط. وهو أن يتهوَّرَ الإنسانُ فيرميَ نفسَه من جَبَلٍ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 453)، ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (8/ 2457). مِن جَبَلٍ فقَتَل نفسَه، فهو في نارِ جَهنَّمَ يتردَّى فيه خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومَن تحسَّى [4906] أي: شَرِبه. يُنظَر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (4/ 192). سُمًّا فقَتَل نفسَه، فسُمُّه في يَدِه يتحَسَّاه في نارِ جهنَّمَ خالِدًا مخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن قَتَل نفسَه بحديدةٍ فحديدتُه في يَدِه يَجَأُ [4907] أي: يَضرِبُ ويَطعَنُ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 453)، ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (8/ 2457). بها في بَطنِه في نارِ جهنَّمَ خالِدًا مخلَّدًا فيها أبَدًا)) [4908] رواه البخاري (5778) واللفظ له، ومسلم (109). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (هذا الحديثُ يشهَدُ لصِحَّةِ نهيِ اللَّهِ تعالى في كتابِه المُؤمِنَ عن قَتلِ نفسِه، فقال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا الآية [النساء: 29-30] ) [4909] ((شرح صحيح البخاري)) (9/453). .
2- أكلُ مالِ الغيرِ بغيرِ حَقٍّ:
سواءٌ بالسَّرِقةِ أو الغَصبِ أو النَّهبِ أو الاختِلاسِ والاحتيالِ؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 29-30] .
يقول ابنُ كثيرٍ: (نهى تبارك وتعالى عبادَه المُؤمِنين عن أن يأكُلوا أموالَ بعضِهم بعضًا بالباطِلِ، أي: بأنواعِ المكاسِبِ التي هي غيرُ شرعيَّةٍ، كأنواعِ الرِّبا والقِمارِ، وما جرى مجرى ذلك من سائِرِ صُنوفِ الحِيَلِ، وإن ظهَرَت في غالِبِ الحُكمِ الشَّرعيِّ ممَّا يَعلَمُ اللَّهُ أنَّ متعاطيَها إنَّما يريدُ الحيلةَ على الرِّبا) [4910] ((تفسير القرآن العظيم)) (2/268). .
3- العُدوانُ في القَولِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: ((أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أناسٌ من اليهودِ، فقالوا: السَّامُ عليك يا أبا القاسِمِ. قال: وعليكم. قالت عائشةُ: قُلتُ: بل عليكم السَّامُ والذَّامُ! فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائشةُ، لا تكوني فاحِشةً. فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: أوَليسَ قد ردَدْتُ عليهم الذي قالوا؟! قُلتُ: وعليكم)) [4911] رواه البخاري (6030)، ومسلم (2165) واللفظ له. .
4- العُدوانُ على الأعراضِ:
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمةِ يومِكم هذا)) [4912] رواه مطوَّلًا البخاري (1741)، ومسلم (1679) واللفظ له، من حديثِ أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ورواه البخاري (1739) مطوَّلًا. .
ويشمَلُ التَّعدِّي على الأعراضِ: الغِيبةَ، والسَّبَّ، والشَّتمَ، والقَذْفَ، وغيرَ ذلك.
5- العُدوانُ بابتغاءِ الشَّهَواتِ المحرَّمةِ من زِنًا ولِواطٍ وغَيرِهما:
قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المُؤمِنون: 5-7] .
قال ابنُ عبَّاسٍ: (نهاهم اللَّهُ نهيًا شديدًا، فقال: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المُؤمِنون: 7] ، فسمَّى الزَّانيَ من العادينَ) [4913] رواه الطبري في ((التفسير)) (19/11). .
وقال الطَّبَريُّ: (فمَن التَمَس لفَرْجِه مَنكَحًا سِوى زوجتِه أو مِلكِ يمينِه، ففاعِلو ذلك هم العادون، الذين عَدَوا ما أحَلَّ اللَّهُ لهم إلى ما حرَّم عليهم، فهم الملومون) [4914] ((جامع البيان)) (23/276). .
6- العُدوانُ في الدُّعاءِ:
فقد ورد في الحديثِ عن عَبدِ اللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه ((أنَّه سَمِع ابنَه يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك القَصرَ الأبيضَ عن يمينِ الجنَّةِ إذا دخَلْتُها. فقال: أيْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الجنَّةَ، وتعَوَّذْ به من النَّارِ؛ فإنِّي سمِعتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّه سيكونُ في هذه الأمَّةِ قومٌ يَعتَدون في الطُّهورِ والدُّعاءِ)) [4915] رواه أبو داود (96) واللفظ له، وابن ماجه (3864)، وأحمد (16801). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6763)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (2/599)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/223). .

انظر أيضا: