موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: أسبابُ الوقوعِ في العُبوسِ


1- الظَّنُّ بأنَّ العُبوسَ يَجلِبُ الهَيبةَ.
2- العُبوسُ في وجوهِ ذوي الحاجاتِ لئلَّا يَطمَعوا فيه.
3- الكِبرُ؛ فإنَّه يحمِلُ صاحِبَه على (التَّرفُّعِ في المجالِسِ، والتَّقدُّمِ على الأقرانِ، وإظهارِ الإنكارِ على مَن يُقَصِّرُ في حَقِّه، وأدنى ذلك في العالِمِ أن يُصَعِّرَ خَدَّه للنَّاسِ كأنَّه مُعرِضٌ عنهم، وفي العابِدِ أن يُعبِّسَ وَجهَه ويُقَطِّبَ جَبينَه كأنَّه مُنَزَّهٌ عن النَّاسِ، مُستقذِرٌ لهم أو غضبانُ عليهم! وليس يَعلَمُ المسكينُ أنَّ الوَرَعَ ليس في الجبهةِ حتَّى تُقَطَّبَ، ولا في الوَجهِ حتَّى يُعبَّسَ، ولا في الخَدِّ حتَّى يُصَعَّرَ، ولا في الرَّقَبةِ حتى تُطَأطأَ، ولا في الذَّيلِ حتَّى يُضَمَّ، إنَّما الوَرَعُ في القلوبِ؛ قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((التَّقوى هاهنا)) [4732] أخرجه مسلم (2564) مطوَّلًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وأشار إلى صَدْرِه) [4733] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 351). .
4- البغضُ الذي تنفِرُ منه النَّفسُ، فتُحدِثُ نُفورًا على المُبغِضِ، فيَؤولُ إلى سوءِ خُلُقٍ معه، وعُبوسٍ في وَجهِه.
5- ومن الأسبابِ العارضةِ والأمورِ الطَّارئةِ التي قد يتغَيَّرُ بها حُسنُ الخُلُقِ والوِطاءُ إلى الشَّراسةِ والبَذاءِ، وتجعَلُ اللِّينَ خُشونةً، والوِطاءَ غِلظةً، والطَّلاقةَ عُبوسًا: المناصِبُ والولاياتُ؛ فإنَّها تحدِثُ في الأخلاقِ تَغَيُّرًا، وعلى الخُلَطاءِ تنكُّرًا؛ إمَّا من لؤمِ طَبعٍ، وإمَّا مِن ضِيقِ صَدرٍ. وكذلك العَزلُ، فقد يسوءُ به الخُلُقُ، ويضيقُ به الصَّدرُ، إمَّا لشِدَّةِ أسَفٍ، أو لقِلَّةِ صَبرٍ.
ومنها: الغِنى؛ فقد تتغَيَّرُ به أخلاقُ اللَّئيمِ بَطَرًا، وتسوءُ طرائقُه أشَرًا. وقد قيل: مَن نال استطالَ.
ومنها: الفَقرُ؛ فقد يتغَيَّرُ به الخُلُقُ؛ إمَّا أنَفةً من ذُلِّ الاستكانةِ، أو أسَفًا على فائتِ الغِنى.
ومنها: الهُمومُ التي تُذهِلُ اللُّبَّ، وتَشغَلُ القَلبَ. وقد قيل: الهَمُّ كالسُّمِّ. وقال بعضُ الأُدَباءِ: الحُزنُ كالدَّاءِ المخزونِ في فؤادِ المحزونِ.
ومنها: الأمراضُ التي يتغَيَّرُ بها الطَّبعُ ما يتغَيَّرُ بها الجِسمُ، فلا تبقى الأخلاقُ على اعتِدالٍ، ولا يُقدَرُ معها على احتِمالٍ.
ومنها: تقدُّمُ السِّنِّ، وحدوثُ الهَرَمِ؛ لتأثيرِه في آلةِ الجَسَدِ، كذلك يكونُ تأثيرُه في أخلاقِ النَّفسِ، فكما يَضعُفُ الجسَدُ عن احتمالِ ما كان يطيقُه من أثقالٍ، فكذلك تَعجِزُ النَّفسُ عن أثقالِ ما كانت تَصبِرُ عليه من مخالفةِ الوِفاقِ، ومَضيقِ الشِّقاقِ، وكذلك ما ضاهاه [4734] يُنظَر: ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 244-246). .
6- الغَضَبُ؛ قال ابنُ المقَفَّعِ: (اعلَمْ أنَّ من النَّاسِ ناسًا كثيرًا يَبلُغُ من أحَدِهم الغَضَبُ إذا غَضِب أن يحمِلَه ذلك على الكُلوحِ والقُطوبِ في وَجهِ غيرِ مَن أغضَبَه، وسوءِ اللَّفظِ لِمن لا ذَنبَ له، والعقوبةِ لِمَن لم يكُنْ يَهُمُّ بمعاقبتِه، وشِدَّةِ المعاقَبةِ باللِّسانِ واليَدِ لِمَن لم يكُنْ يريدُ به إلَّا دونَ ذلك) [4735] ((الأدب الصغير والأدب الكبير)) لابن المقفع (ص: 72). .

انظر أيضا: