موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: مظاهِرُ وصُوَرُ العُبوسِ


1- العُبوسُ في وَجهِ كُلِّ مَن يلقاه. وعن هشامِ بنِ عُروةَ عن أبيه، قال: (مكتوبٌ في الحِكمةِ: بُنَيَّ، لتكُنْ كَلِمتُك طَيِّبةً، وليَكُنْ وَجهُك بسيطًا، تكُنْ أحَبَّ إلى النَّاسِ ممَّن يُعطيهم العطاءَ) [4721] ((الزهد والرقائق)) لابن المبارك (1058). .
2- العُبوسُ في وَجهِ الوالِدَينِ؛ قال الهيتمي: (العُقوقُ كبيرةٌ، فإن كان... عقوقُه هو استِثقالَه لأمرِهما ونَهْيِهما، والعُبوسَ في وُجوهِهما، والتَّبَرُّمَ بهما مع بَذلِ الطَّاعةِ ولُزومِ الصَّمتِ، فصَغيرةٌ) [4722] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (2/ 115). .
3- العُبوسُ في وُجوهِ الضِّيفانِ. ومن آدابِ المُضيفِ: أن يخدُمَ أضيافَه، ويُظهِرَ لهم الغِنى، وبَسْطَ الوَجهِ، فقد قيل: البشاشةُ في الوَجهِ خيرٌ مِن القِرى. قالوا: فكيف بمن يأتي بها وهو ضاحِكٌ [4723] ((المستطرف في كل فن مستطرف)) للأبشيهي (ص: 191). ؟!
4- العُبوسُ في وُجوهِ السَّائلينَ، وهذا من مكايِدِ الشَّيطانِ؛ حيثُ يأمُرُ المرءَ أن يَلقى المساكينَ وذوي الحاجاتِ بوَجهٍ عَبوسٍ، وألَّا يُريَهم بِشرًا ولا طلاقةً لئَلَّا يَطمَعوا فيه ويتجَرَّؤوا عليه، وتَسقُطَ هَيبتُه من قلوبِهم! فيُحرَمُ العبدُ بذلك صالِحَ أدعيتِهم، ومَيلَ قُلوبِهم إليك، ومحبَّتَهم له [4724] يُنظَر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/ 120). .
ويُذكَرُ أنَّ أبا بكرِ بنَ دُرَيدٍ قَصَد بعضَ الوُزَراءِ في حاجةٍ، فلم يَقضِها له، وظَهَر له منه ضجَرٌ، فقال:
لا تَدخُلَنْك ضَجرةٌ من سائِلٍ
فلَخَيرُ دَهرِك أن تُرى مَسؤولَا
لا تجبَهَنْ بالرَّدِّ وَجْهَ مُؤَمِّلٍ
فبقاءُ عِزِّك أن تُرى مأمولَا
تلقى الكريمَ فتَستَدِلَّ ببِشْرِه
وترى العُبوسَ على اللَّئيمِ دليلَا
واعلَمْ بأنَّك عن قليلٍ صائِرٌ
خَبَرًا فكُنْ خَبَرًا يروقُ جميلَا [4725] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 195). ويُنظَر: ((معجم الأدباء)) لياقوت (3/ 1147).
5- العُبوسُ عِندَ الجودِ والعَطاءِ. قال الجاحِظُ: (زعَمَت الحُكَماءُ أنَّ القليلَ مع طلاقةِ الوَجهِ أوقَعُ بقُلوبِ ذوي المروءاتِ من الكثيرِ مع العُبوسِ والانقِباضِ) [4726] ((الرسائل)) (1/ 130). .
وقال المتنَبِّي:
وإنْ بَذَلَ الإنسانُ لي جُودَ عابِسٍ
جَزَيتُ بجُودِ التَّارِكِ المتَبَسِّمِ
أي: لا آخُذُ الصِّلةَ من الإنسانِ حتَّى يكونَ معها بِشرٌ وبشاشةٌ، وإنْ بَذَل عَطيَّةَ مَن هو عابِسٌ جَزَيتُه عن جُودِه بجُودٍ، وهو تركي عطيَّتَه مع تبسُّمٍ منِّي. يريدُ أنِّي أزيدُ على ما فَعَل؛ لأنَّه بذَلَ جُودًا بعُبوسٍ، وجَزَيتُه جُودًا بتبَسُّمٍ [4727] يُنظَر: ((اللامع العزيزي)) للمعري (ص: 1312). .
هذا، وقد كان يقالُ: (البِشرُ الحَسَنُ إحدى العَطيَّتَينِ) [4728] يُنظَر: ((جمهرة الأمثال)) للعسكري (1/ 101). .
وقال زُهيرُ بنُ أبي سُلمى يمدَحُ حِصنَ بنَ حُذَيفَة الفَزاريَّ:
تراه إذا ما جِئْتَه مُتهَلِّلًا
كأنَّك تُعطيه الذي أنت سائِلُه [4729] يُنظَر: ((شرح ديوان زهير)) لثعلب (ص: 142).
6- عُبوسُ الحاجِبِ في وَجهِ أربابِ الحوائِجِ.
قال المنصورُ للمَهديِّ: (لا ينبغي أن يكونَ الحاجِبُ جَهولًا ولا غَبيًّا، ولا عَيِيًّا ولا ذَهولًا ولا متشاغِلًا، ولا خامِلًا ولا محتَقَرًا، ولا جَهمًا ولا عَبوسًا؛ فإنَّه... إذا كان جَهمًا عَبوسًا تلقَّى كُلَّ طبقةٍ من النَّاسِ بالمكروهِ، فتَرَك أهلُ النَّصائحِ نصائِحَهم، وأخَلَّ بذوي الحاجاتِ في حوائِجِهم، وقَلَّت الغاشيةُ لبابِ صاحِبِه؛ فرارًا من لقائِه) [4730] ((الرسائل)) (2/ 37، 38). .
وقال المهديُّ لحاجِبِه الفَضلِ بنِ الرَّبيعِ: (إنِّي قد ولَّيتُك سَترَ وَجهي وكَشْفَه، فلا تجعَلِ السِّترَ بيني وبين خواصِّي سَبَبَ ضِغْنِهم عَلَيَّ بقُبحِ رَدِّك، وعُبوسِ وَجهِك) [4731] ((نثر الدر في المحاضرات)) للآبي (3/ 63). .

انظر أيضا: