موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ من البِرِّ عِندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ


- بِرُّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ بأبيه مع كُفرِه:
قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا [مريم: 41 - 48] .
قال الرَّازيُّ: واعلَمْ أنَّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ رَتَّب هذا الكلامَ في غايةِ الحُسنِ؛ لأنَّه نبَّه أوَّلًا على ما يَدُلُّ على المنعِ من عبادةِ الأوثانِ، ثمَّ أمَره باتِّباعِه في النَّظَرِ والاستدلالِ وتَركِ التَّقليدِ، ثمَّ نَبَّه على أنَّ طاعةَ الشَّيطانِ غيرُ جائزةٍ في العُقولِ، ثمَّ خَتَم الكلامَ بالوعيدِ الزَّاجِرِ عن الإقدامِ على ما لا ينبغي، ثمَّ إنَّه عليه السَّلامُ أورد هذا الكلامَ الحَسَنَ مقرونًا باللُّطفِ والرِّفقِ؛ فإنَّ قولَه في مُقَدِّمةِ كُلِّ كلامٍ: يَا أَبَتِ دليلٌ على شِدَّةِ الحُبِّ، والرَّغبةِ في صونِه عن العِقابِ، وإرشادِه إلى الصَّوابِ، وخَتَم الكلامَ بقَولِه: إِنِّي أَخَافُ، وذلك يدُلُّ على شِدَّةِ تعَلُّقِ قَلبِه بمصالحِه، وإنَّما فعل ذلك قضاءً لحَقِّ الأبُوَّةِ. والإرشادُ إلى الدِّينِ من أعظَمِ أنواعِ الإحسانِ، فإذا انضاف إليه رعايةُ الأدَبِ والرِّفقُ كان ذلك نورًا على نورٍ [1215] يُنظَر ((مفاتيح الغيب)) (21/545). .
- بِرُّ إسماعيلَ بأبيه إبراهيمَ عليهما السَّلامُ وحُسنُ طاعتِه:
قال تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات: 102 - 105] .
قال السَّعديُّ: (فلمَّا أَسْلَمَا أي: إبراهيمُ وابنُه إسماعيلَ، جازِمًا بقَتلِ ابنِه وثَمَرةِ فؤادِه، امتثالًا لأمرِ رَبِّه، وخوفًا من عقابِه، والابنُ قد وطَّن نفسَه على الصَّبرِ، وهانت عليه في طاعةِ رَبِّه، ورضا والِدِه، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، أي: تَلَّ إبراهيمُ إسماعيلَ على جبينِه؛ ليُضجِعَه فيَذبحَه، وقد انكَبَّ لوَجهِه؛ لئلَّا ينظُرَ وَقتَ الذَّبحِ إلى وَجهِه، وَنَادَيْنَاهُ في تلك الحالِ المُزعِجةِ، والأمرِ المُدهِشِ: أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ أي: قد فعَلْتَ ما أُمِرْتَ به؛ فإنَّك وطَّنْتَ نَفْسَك على ذلك، وفعَلْتَ كُلَّ سَبَبٍ، ولم يَبْقَ إلَّا إمرارُ السِّكِّينِ على حَلقِه إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ في عبادتِنا، المُقَدِّمين رِضانا على شَهَواتِ أنفُسِهم) [1216] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 706). .
- بِرُّ عيسى عليه السَّلامُ بأمِّه:
قال تعالى: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [مريم: 30 - 32] .
قَولُه: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي، أي: وجعَلَني كذلك مُطيعًا والِدَتي، وبارًّا بها، ومحسِنًا إليها [1217] ((التفسير الوسيط)) لمحمد سيد طنطاوي (9/35). .
- يحيى عليه السَّلامُ وبِرُّه بوالِدَيه:
قال تعالى في وصفِ يحيى عليه السَّلامُ: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم: 14] .
(أي: وكان يحيى عليه السَّلامُ كثيرَ البِرِّ والإحسانِ بوالِدَيه؛ إذ هما أقرَبُ النَّاسِ إليه، وحَقُّهما في الطَّاعةِ يلي حَقَّ اللهِ عَزَّ وجَلَّ) [1218] ((التفسير الوسيط)) لمجموعة من العلماء (6/950). .

انظر أيضا: