موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: حُكمُ سُوءِ الظَّنِّ بالنَّفسِ


سُوءُ الظَّنِّ بالنَّفسِ اختلف فيه العُلَماءُ؛ فمنهم من رأى الاستحبابَ. قال ابنُ القَيِّمِ: (أمَّا سُوءُ الظَّنِّ بالنَّفسِ فإنَّما احتاج إليه؛ لأنَّ حُسنَ الظَّنِّ بالنَّفسِ يمنَعُ من كمالِ التَّفتيشِ، ويُلبِّسُ عليه، فيرى المساوئَ محاسِنَ، والعيوبَ كمالًا؛ فإنَّ المحبَّ يرى مساوئَ محبوبِه وعيوبَه كذلك.
فعينُ الرِّضا عن كُلِّ عيبٍ كليلةٌ
كما أنَّ عينَ السُّخطِ تُبدي المساويا
ولا يُسيءُ الظَّنَّ بنفسِه إلَّا من عرَفها، ومن أحسَنَ ظنَّه بنفسِه فهو من أجهَلِ النَّاسِ بنفسِه) [4152] ((مدارج السالكين)) (1/189)، ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (1/235، 236). .
وضابطُ سُوءِ الظَّنِّ بالنَّفسِ (هو اتِّهامُ النَّفسِ، فلا يتَّهِمُ رَبَّه، وإنما يتَّهِمُ الإنسانُ نفسَه بالتَّقصيرِ، ويعاملُها بالاتهامِ ليدفَعَ عنها الغُرورَ والعُجبَ، دون أن يُخرِجَه ذلك إلى حدِّ سُوءِ الظَّنِّ باللَّهِ، أو اليأسِ من رحمتِه؛ لأنَّه لا ييأَسُ من رَوحِ اللهِ إلَّا القومُ الكافرون، فلا ييأسُ الإنسانُ من رَوحِ اللَّهِ، ولا يقنَطُ من رحمتِه، لكِنْ ليجتَهِدْ في الطَّاعاتِ، ومع ذلك يتَّهمُ نفسَه وعمَلَه، ولا يدري أقُبِلَ عمَلُه أم لم يُقبَلْ؟ مع ثقتِه في أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى لن يُضيعَ عَمَلَ عاملٍ من المُؤمِنين أبدًا) [4153] ((شرح العقيدة الطحاوية)) لسفر الحوالي. .
ومنهم من رأى الكراهةَ؛ قال الماوَرديُّ: (منهم من كَرِهه لِما فيه من اتِّهامِ طاعتِها، وردِّ مناصحتِها؛ فإنَّ النَّفسَ وإن كان لها مكرٌ يُردي، فلها نُصحٌ يَهدي. فلمَّا كان حسنُ الظَّنِّ بها يُعمي عن مساوئِها، كان سُوءُ الظَّنِّ بها يُعمي عن محاسنِها. ومن عَمِيَ عن محاسنِ نفسِه كان كمن عَمِيَ عن مساوئِها، فلم يَنفِ عنها قبيحًا، ولم يهدِ إليها حَسنًا. وقال الأحنَفُ بنُ قيسٍ: من ظَلَم نفسَه كان لغيرِه أظلَمَ، ومن هدَم دينَه كان لمجْدِه أهدَمَ) [4154] ((أدب الدنيا والدين)) (1/234، 235). .
ومنهم من قال بالموازنةِ بَيْنَ سُوءِ الظَّنِّ وحُسنِ الظَّنِّ، وأنَّه ينبغي على المرءِ أن (يكونَ في التُّهمةِ لنَفسِه معتَدِلًا، وفي حُسنِ الظَّنِّ بها مقتَصِدًا؛ فإنَّه إن تجاوز مقدارَ الحَقِّ في التُّهمةِ لنفسِه ظلَمَها فأودعها ذِلَّةَ المظلومين، وإن تجاوَز الحَقَّ في مقدارِ حُسنِ الظَّنِّ بها آمنَها فأودعها تهاوُنَ الآمنين، ولكُلِّ ذلك مقدارٌ من الشُّغلِ، ولكُلِّ شُغلٍ مِقدارٌ من الوَهنِ، ولكُلِّ وَهنٍ مقدارٌ من الجهلِ) [4155] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (1/95، 96). .

انظر أيضا: