موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ مِن صُوَرِ الإيثارِ عِندَ العُلَماءِ والمُعاصِرينَ


إيثارُ الحافِظِ ابنِ الدَّبَّاغِ على قِلَّةِ ذاتِ يَدِه:
قال ابنُ الزُّبَيرِ: (كان سَمْحًا مُؤثِرًا على قِلَّةِ ذاتِ يَدِه، نَزِهَ النَّفْسِ) [1117] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (20/221) .
إيثارُ عبدِ الغنيِّ المَقدِسيِّ بطَعامِه:
قال منصورٌ الغَضاريُّ: (شاهَدْتُ الحافِظَ في الغَلاءِ بمِصرَ وهو ثلاثَ ليالٍ يُؤثِرُ بعَشائِه ويَطْوي!) [1118] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (21/457) .
إيثارُ العِزِّ بنِ عَبدِ السَّلامِ وامرأتِه:
حكى بدرُ الدِّينِ بنُ جماعةَ أنَّ العِزَّ بنَ عبدِ السَّلامِ لَمَّا كان بدِمَشقَ وَقَع مرَّةً غلاءٌ كبيرٌ حتَّى صارت البَساتينُ تُباعُ بالثَّمَنِ القليلِ، فأعطَتْه زَوجَتُه مُصاغًا لها وقالت: اشتَرِ لنا به بُستانًا نُصَيِّفُ به، فأخذ ذلك المُصاغَ وباعه وتصَدَّقَ بثَمَنِه، فقالت: يا سيدي اشتَريتَ لنا؟ قال: نَعَمْ، بُستانًا في الجنَّةِ، إنِّي وجَدْتُ النَّاسَ في شِدَّةٍ فتصدَّقْتُ بثَمَنِه، فقالت له: جزاك اللهُ خيرًا.
وحكى أنَّه كان مع فَقرِه كثيرَ الصَّدَقاتِ، وأنَّه ربَّما قطَع من عمامتِه وأعطى فقيرًا يسألُه إذا لم يجِدْ معه غيرَ عمامتِه [1119] ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (8/ 214). .
ايثارُ ابنِ تيميَّةَ:
قال أبو حَفصٍ البزَّارُ: (كان مع شِدَّةِ تَركِه للدُّنيا ورَفضِه لها وفَقْرِه فيها وتقَلُّلِه منها، مُؤثِرًا بما عساه يجِدُه منها، قليلًا كان أو كثيرًا، جليلًا أو حقيرًا، لا يحتَقِرُ القليلَ فيَمنَعَه ذلك عن التَّصدُّقِ به، ولا الكثيرَ فيَصرِفَه النَّظَرُ إليه عن الإسعافِ به؛ فقد كان يتصَدَّقُ حتَّى إذا لم يجِدْ شيئًا نَزَع بعضَ ثيابِه المحتاجِ إليها فيَصِلُ به الفقيرَ، وكان يستَفضِلُ مِن قُوتِه القليلِ الرَّغيفَ والرَّغيفينِ فيُؤثِرُ بذلك على نَفسِه، ورُبَّما خبَّأهما في كُمِّه ويمضي ونحن معه لسَماعِ الحديثِ، فيراه بعضُنا وقد دفعَه إلى الفقيرِ مُستخفيًا يحرِصُ ألَّا يراه أحَدٌ، وكان إذا وَرَد عليه فقيرٌ وآثَرَ المُقامَ عِندَه يُؤثِرُه عِندَ الأكلِ بأكثَرِ قُوتِه الذي جُعِل برَسْمِه) [1120] ((الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية)) لأبي حفص البزار (ص: 49) .
ابنُ بازٍ بَقِيَّةٌ من إيثارِ السَّلَفِ:
كان ابنُ بازٍ (الذي بيَدِه ليس له، ولو سُئِل ما سُئِل؛ فرُبَّما سُئِل مالًا فأعطاه، وربَّما أتَته الهَدِيَّةُ في المجلِسِ فسألَه أحدُ الحاضِرين إيَّاها فأعطاها إيَّاه، بل كثيرًا ما يبتَدِرُ مَن بجانِبِه بالهَدِيَّةِ التي تُقَدَّمُ لسماحتِه، بل رُبَّما سُئِل عَباءَتَه التي يَلبَسُها فأعطاها مَن سأله إيَّاها) [1121] ((جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (182). .
إيثارُ محمَّد الأمين الشِّنقيطيُّ:
يقولُ عَطِيَّة سالِم في حديثِه عن محمَّد الأمين الشِّنقيطيِّ: (وقد وجَدْتُ منه -رحمه اللهُ- العنايةَ والرِّعايةَ كأحَدِ أبنائِه، كأشَدِّ ما يرعى الوالِدُ وَلَدَه، وقد أجِدُ منه الإيثارَ على نفسِه في كثيرٍ من أحيانِه ممَّا يطولُ ذِكْرُه ولا يُنسى فَضْلُه) [1122] ((مع صاحب الفضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي)) (ص: 26). .
إيثارُ بَعضِ محِبِّي ابنِ بازٍ:
كان الشَّيخُ ابنُ بازٍ قريبًا من النَّاسِ محبَّبًا إليهم، ومِن أعجَبِ قِصَصِ الإيثارِ التي حصَلت مع الشَّيخِ قِصَّتانِ:
أُولاها: لرَجُلٍ مُسلِمٍ مِن بلجيكا وهو مغربيُّ الأصلِ، قَدِم على سماحةِ الشَّيخِ، فلَمَّا مَثُل أمامَ سماحتِه قال:
يا سماحةَ الشَّيخِ، أنا فلانٌ مِن محبِّيك، وقد جِئتُك مُهدِيًا لك إحدى عَينيَّ، ولقد سألتُ طبيبًا مختَصًّا فقال لي: لا مانِعَ. وسوف أذهَبُ إلى المستشفى، وإلى الطَّبيبِ المختَصِّ لنَزْعِها وإهدائِها لك.
فقال له سماحةُ الشَّيخِ: يا أخي بارَكَ اللهُ لك في عينَيك، ونفَعَك بهما، نحن راضون بما كَتَب اللهُ لنا.
- وفي عام 1418هـ جاء رجُلٌ من السُّودانِ، وأخذ يتجَوَّلُ بَينَ المكاتِبِ في دارِ الإفتاءِ في الرِّياضِ، وهو يقولُ: لم أجِدْ من يتجاوَبُ معي ولا من يُدخِلُني على سماحةِ الشَّيخِ، قال الشَّيخُ محمَّدُ بنُ موسى الموسى: فقُلتُ له: وما تريدُ من سماحتِه؟ فقال: أنا أتيتُ إلى سماحتِه مُهدِيًا إليه إحدى عَينيَّ، أدخِلوني على سماحتِه، فأخَذْتُ بيَدِه وأدخَلْتُه عليه، فلمَّا رآه وسَلَّم عليه قال: يا سماحةَ الشَّيخِ أنا من بلادِ السُّودانِ، جئتُ إليك مُهدِيًا إحدى عَينيَّ، فتفَضَّلْ بقَبولِها وخُذْ إحداها. فشَكَر له سماحةُ الشَّيخِ صَنيعَه ومحبَّتَه، وقال: بارَكْ اللهُ لك في عينيك، نحن راضون بما كَتَب اللهُ لنا [1123] يُنظر: ((جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (506 -507). .

انظر أيضا: