موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من الإيثارِ عِندَ السَّلَفِ


وعلى الطَّريقِ نَفْسِها سار سَلَفُ الأمَّةِ وصالِحوها يَحذُون مَن سَبَقهم من صحابةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، ويَتَّبِعون آثارَهم، وإليك أخي الكريمَ نماذِجَ من إيثارِهم رحمهم اللَّهُ:
- خرَج عبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ إلى ضَيعةٍ له، فنَزَل على نخيلِ قومٍ، وفيه غلامٌ أسوَدُ يعمَلُ فيه، إذ أتى الغلامُ بقوتِه فدَخَل الحائِطَ كَلبٌ ودنا من الغلامِ، فرمى إليه الغلامُ بقُرصٍ فأكَله، ثمَّ رمى إليه الثَّانيَ والثَّالِثَ فأكلَه، وعبدُ اللهِ ينظُرُ إليه، فقال: يا غُلامُ، كم قُوتُك كُلَّ يومٍ؟ قال: ما رأيتَ. قال: فلِمَ آثَرْتَ به هذا الكَلْبَ؟! قال: ما هي بأرضِ كِلابٍ، إنَّه جاء من مسافةٍ بعيدةٍ جائِعًا، فكَرِهْتُ أن أشبَعَ وهو جائِعٌ! قال: فما أنت صانِعٌ اليومَ؟! قال: أطوي يومي هذا! فقال عبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ: أُلامُ على السَّخاءِ! إنَّ هذا الغلامَ لأسخى منِّي! فاشترى الحائِطَ والغُلامَ وما فيه من الآلاتِ، فأعتَقَ الغُلامَ ووَهَبَه منه [1108] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/258). !
- عن أبي الحَسَنِ الأنطاكيِّ: أنَّه اجتمع عِندَه نَيِّفٌ وثلاثون رجُلًا بقريةٍ مِن قُرى الرَّيِّ، ومعهم أرغِفةٌ معدودةٌ لا تُشبِعُ جَميعَهم، فكَسَّروا الرُّغْفانَ، وأطفَؤوا السِّراجَ، وجَلَسوا للطَّعامِ، فلمَّا رُفِع فإذا الطَّعامُ بحالِه، لم يأكُلْ منه أحدٌ شيئًا إيثارًا لصاحِبِه على نفسِه [1109] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (18/29). !
- قال الهَيثَمُ بنُ جَميلٍ: جاء فُضَيلُ بنُ مَرزوقٍ -وكان من أئمَّةِ الهُدى زُهدًا وفَضلًا- إلى الحَسَنِ بنِ حُيَيٍّ، فأخبَرَه أنْ ليس عِندَه شيءٌ، فقام الحَسَنُ، فأخرج سِتَّةَ دراهِمَ، وأخبره أنَّه ليس عِندَه غيرُها، فقال: سُبحانَ اللهِ أليس عِندَك غيرُها وأنا آخُذُها؟! فأخَذَ ثلاثةً وتَرَك ثلاثةً [1110] يُنظر: ((تهذيب الكمال)) للمزي (32/308). .
- ورُوِيَ أنَّ مسروقًا ادَّانَ دَينًا ثقيلًا، وكان على أخيه خَيثمةَ دَينٌ، قال: فذَهَب مسروقٌ فقضى دَينَ خيثمةَ وهو لا يَعلَمُ، وذَهَب خَيثمةُ فقضى دَينَ مَسروقٍ وهو لا يَعلَمُ [1111] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/174). !
- وقال عبَّاسُ بنُ دِهقانَ: ما خرَج أحدٌ من الدُّنيا كما دخَلها إلَّا بِشرُ بنُ الحارِثِ؛ فإنَّه أتاه رجُلٌ في مَرَضِه، فشكا إليه الحاجةَ، فنَزَع قميصَه وأعطاه إيَّاه، واستعار ثوبًا فمات فيه [1112] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/258). !
- عن أبي جَعفَرٍ محمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الصَّيرفيِّ، قال: (بَعَث إليَّ الحَكَمُ بنُ موسى في أيَّامِ عيدٍ أنَّه يحتاجُ إلى نَفَقةٍ، ولم يَكُ عِندي إلَّا ثلاثةُ آلافِ دِرهَمٍ، فوَجَّهْتُ إليه بها، فلمَّا صارت في قبضتِه وَجَّه إليه خلَّادُ بنُ أسلَمَ أنَّه يحتاجُ إلى نَفَقةٍ، فوَجَّه بها كُلِّها إليه، واحتَجْتُ أنا إلى نَفَقةٍ فوَجَّهْتُ إلى خَلَّادٍ: إنِّي أحتاجُ إلى نَفَقةٍ، فوَجَّه بها كُلِّها إليَّ، فلمَّا رأيتُها مصرورةً في خِرقتِها وهي الدَّراهِمُ بعَيْنِها أنكَرْتُ ذلك، فبعَثْتُ إلى خلَّادٍ: حَدِّثْني بقِصَّةِ هذه الدَّراهِمِ؟ فأخبَرَني أنَّ الحكَمَ بنَ موسى بعَث بها إليه، فوَجَّهْتُ إلى الحَكَمِ منها بألفٍ، ووَجَّهْتُ إلى خلَّادٍ منها بألفٍ، وأخذْتُ أنا منها ألفًا!) [1113] أخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (9/ 304، 305). .
- عن محمَّدِ بنِ داودَ قال: (سمِعتُ أبا بكرٍ الفُوطيَّ وأبا عَمرِو بنَ الأدميِّ يقولانِ، وكانا يتواخيانِ في اللهِ تعالى: خرَجْنا من بغدادَ نريدُ الكوفةَ، فلمَّا صِرْنا في بعضِ الطَّريقِ إذا نحن بسَبُعينِ رابِضَينِ على الطَّريقِ، فقال أبو بكرٍ لأبي عَمرٍو: أنا أكبَرُ سِنًّا منك، دَعْني حتَّى أتقَدَّمَك، فإنْ كانت حادثةٌ اشتَغَلوا بي عنك ونجَوتَ أنت! فقال أبو عَمرٍو: نفسي ما تسامِحُني بهذا، ولكِنْ نكونُ جميعًا في مكانٍ واحدٍ، فإن كانت حادِثةٌ كُنَّا جميعًا، فجازا جميعًا في وَسَطِ السَّبُعينِ فلم يتحَرَّكا، ومَرَّا سالِمَينِ!) [1114] أخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (16/ 562). .
- و(خرَج إبراهيمُ بنُ أدهَمَ رَحِمه اللهُ في سَفَرٍ ومعه ثلاثةُ نَفَرٍ، فدَخَلوا مسجدًا في بعضِ المفاوِزِ والبَردُ شديدٌ، وليس للمسجِدِ بابٌ، فلمَّا ناموا قام إبراهيمُ فوَقَف على البابِ إلى الصَّباحِ، فقيل له: لمْ تَنَمْ؟ فقال: خَشِيتُ أن يصيبَكم البَرْدُ، فقُمتُ مقامَ البابِ!) [1115] ((التبصرة)) ابن الجوزي (2/ 279). .
إيثارُ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ:
 (قال هارونُ المُستَملي: لقيتُ أحمدَ بنَ حَنبَلٍ، فقُلتُ: ما عِندَنا شيءٌ. فأعطاني خمسةَ دراهِمَ، وقال: ما عِندَنا غيرُها. قال المَرُّوذي: رأيتُ أبا عبدِ اللهِ قد وَهَب لرجُلٍ قميصَه، وقال: ربَّما واسى مِن قُوتِه!) [1116] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/ 219). .

انظر أيضا: