موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: حُكمُ الحَسَدِ


الحَسَدُ الذي هو تمنِّي زوالِ النِّعمةِ عن المحسودِ سواءٌ زالت عن المحسودِ ووصَلت إليه، أو لم تَصِلْ، فهذا الحَسَدُ قد أجمع العُلَماءُ على تحريمِه مع ورودِ النُّصوصِ من الكتابِ والسُّنَّةِ [2722] يُنظَر: ((مقاصد الرعاية لحقوق الله عزَّ وجَلَّ)) للعز بن عبد السلام (ص: 151)، ((شرح النووي على مسلم)) (6/97). . وذكَره بعضُ العُلَماءِ في الكبائِرِ [2723] يُنظَر: ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (4/ 309)، ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/ 83). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (مَن تمنَّى زوالَ النِّعمةِ عن مستحِقٍّ لها، وسعى في ذلك، كان باغيًا، وإن لم يسْعَ في ذلك ولا أظهَره ولا تسَبَّب في تأكيدِ أسبابِ الكراهةِ التي نُهي المُسلِمُ عنها في حَقِّ المُسلِمِ، نُظِرَ؛ فإن كان المانِعُ له من ذلك العَجزَ بحيثُ لو تمكَّن لفَعَل، فهذا مأزورٌ، وإن كان المانعُ له من ذلك التَّقوى، فقد يُعذَرُ؛ لأنَّه لا يستطيعُ دَفعَ الخواطِرِ النَّفسانيَّةِ، فيكفيه في مجاهدتِها ألَّا يعمَلَ بها، ولا يَعزِمَ على العَمَلِ بها؛ فعن الحَسَنِ البَصريِّ قال: ما من آدَميٍّ إلَّا وفيه الحَسَدُ؛ فمن لم يجاوِزْ ذلك إلى البَغيِ والظُّلمِ لم يَتبَعْه منه شيءٌ) [2724] ((فتح الباري)) (10/ 482) بتصرُّفٍ. .
وأمَّا الحَسَدُ بمعنى الغِبطةِ، وهو أن يتمنَّى مِثلَ النِّعمةِ التي على غيرِه من غيرِ زوالِها عن صاحِبِها، فإن كانت من أمورِ الدُّنيا كانت مباحةً، وإن كانت طاعةً فهي مستحبَّةٌ [2725] ((شرح النووي على مسلم)) (6/97). . عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا حَسَدَ إلَّا في اثنتَينِ [2726] وقيل: المرادُ بالحديثِ نفيُ الحسَدِ فحَسْبُ، فقولُه: لا حَسَدَ. كلامٌ تامٌّ، وهو نفيٌ في معنى النَّهيِ. وقولُه: إلَّا في اثنتَينِ. استثناءٌ ليس من الجنسِ. يُنظَر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/289). : رجُلٌ آتاه اللَّهُ مالًا فسُلِّط على هلَكَتِه في الحَقِّ، ورجُلٌ آتاه اللَّهُ الحِكمةَ فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها)) [2727] رواه البخاري (73) واللفظ له، ومسلم (316). . قال ابنُ القَيِّمِ: (فهذا حَسَدُ مُنافَسةٍ وغِبطةٍ، يَدُلُّ على عُلُوِّ هِمَّةِ صاحِبِه، وكِبَرِ نفسِه، وطَلَبِها للتَّشبُّهِ بأهلِ الفَضلِ) [2728] ((الروح)) (ص: 252). .

انظر أيضا: