موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الثَّرثَرةِ


1- الاعتقادُ بأنَّ الثَّرثَرةَ مقصورةٌ على كلامِ الشَّخصِ فيما لا يعنيه، فإذا تكلَّم في شأنِه تكَلَّم كيف شاء، وهذا خطَأٌ؛ فليست العِبرةُ بخَطَرِ الكلامِ فيما لا يعنيك فحَسْبُ، وإنَّما العبرةُ بأن يكونَ للكلامِ فائدةٌ، وليس من اللَّغوِ فَضلًا عن الحرامِ.
ولئِنْ كان لُزومُ الصَّمتِ وتَركُ الحديثِ فيما لا يعني مستحسَنًا مطلوبًا من كُلِّ أحدٍ، لَهُوَ ممَّن يأنَسُ من نفسِه الجَهلَ وكثرةَ الزَّللِ والخطَأِ أَولى وأَحرى.
قال ابنُ هُذَيلٍ: (ومن الواجبِ على مَن عَرِيَ من الأدبِ، وتخلَّى عن المعرفةِ والفَهمِ، ولم يتحَلَّ بالعِلمِ أن يلزَمَ الصَّمتَ، ويأخُذَ نفسَه به؛ فإنَّ ذلك حَظٌّ كبيرٌ من الأدَبِ، ونصيبٌ وافرٌ من التَّوفيقِ؛ لأنَّه يأمَنُ من الغلَطِ، ويعتَصِمُ من دواعي السَّقطِ؛ فالأدبُ رأسُ كُلِّ حِكمةٍ، والصَّمتُ جِماعُ الحُكمِ) [2133] ((عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة)) (128). .
2- ربَّما يحتاجُ المعَلِّمُ أو الدَّاعيةُ أو العالمُ أن يُكَرِّرَ كلامَه، وأن يطيلَ في الشَّرحِ، ويكثِرَ من الأمثلةِ؛ حتَّى تَصِلَ المعلومةُ إلى المستَمِعين ويُفهِمَ الطُّلَّابَ أو غيرَهم، ومِثلُ هذا من الخَطَأِ أن يُعَدَّ من الثَّرثَرةِ؛ فالكلامُ الذي فيه نفعٌ وتوضيحٌ للحَقِّ، ويُحتاجُ إليه، يؤجَرُ عليه صاحِبُه، ويُعَدُّ من الكلامِ المحمودِ لا من الثَّرثَرةِ المذمومةِ.
وقد قيل لإياسِ بنِ معاويةَ: (إنَّك تُكثِرُ الكلامَ. قال: أفبصوابٍ أتكَلَّمُ أم بخطَإٍ؟ قالوا: بصوابٍ. قال: فالإكثارُ من الصَّوابِ أفضَلُ) [2134] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 303). .
3- لا يعني ذمُّ الثَّرثَرةِ لُزومَ الصَّمتِ حتَّى عن الحَقِّ والخيرِ؛ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (الكلامُ بالخيرِ مِن ذِكرِ اللهِ وتلاوةِ القُرآنِ وأعمالِ البِرِّ أفضَلُ من الصَّمتِ، وكذلك القولُ بالحَقِّ كُلِّه، والإصلاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وما كان مِثلَه) [2135] ((التمهيد)) لابن عبد البر (22/ 20). .

انظر أيضا: