موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفرِّقةٌ


- إذا كان صاحِبُ اللَّقَبِ لا يُعرَفُ إلَّا به صار اسمًا له وليس تنابُزًا:
قال الشَّوكانيُّ: (فإنْ قُلتَ: فإن كان صاحِبُ اللَّقَبِ لا يُعرَفُ إلَّا به، ولا يُعرَفُ بغَيرِه أصلًا؟
قُلتُ: إذا بلَغ الأمرُ إلى هذه النِّهايةِ، ووصل البحثُ إلى هذه الغايةِ؛ لم يكُنْ ذلك اللَّقَبُ لَقَبًا، بل هو الاسمُ الذي يُعرَفُ به صاحِبُه؛ إذ لا يُعرَفُ باسمٍ سِواه قطُّ. والتَّسميةُ للإنسانِ باسمٍ يُعرَفُ به -لا سيَّما من كان من رُواةِ العِلمِ الحامِلينَ له المبَلِّغينَ ما عِندَهم منه إلى النَّاسِ- أمرٌ تدعو الحاجةُ إليه، وإلَّا بَطَل ما يَرويه من العِلمِ، خُصوصًا ما كان قد تفرَّد به ولم يُشارِكْه فيه غيرُه، وعلى هذا يُحمَلُ ما وقَع في المصنَّفاتِ من ذِكرِ الألقابِ؛ فإنَّ أهلَها وإن كانت لهم أسماءٌ، ولآبائِهم ولأجدادِهم، فغَيرُهم يشارِكُهم فيها، فقد يتَّفِقُ اسمُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ، واسمُ أبيه مع أبيه، واسمُ جَدِّه، فلا يمتازُ أحَدُهما عن الآخَرِ في كثيرٍ من الحالاتِ إلَّا بذكرِ الألقابِ ونحوِها، وحينَئذٍ لم يَبْقَ لتلك الأسماءِ فائدةٌ؛ لأنَّ المقصودَ منها أن يتميَّزَ بها صاحِبُها عن غيرِه، ولم يحصُلْ هذا الذي هو المقصودُ بها، بل إنَّما حصل من اللَّقَبِ؛ فكان هو الاسمَ المُمَيِّزَ في الحقيقةِ، فلم يكُنْ ذلك من التَّنابُزِ بالألقابِ) [2036] ((الفتح الرباني)) (11/5594-5595). .
- التَّلقيبُ أو التَّسميةُ بلَفظٍ مُضافٍ إلى (الدِّينِ) أو (الإسلامِ):
(تُكرَهُ التَّسميةُ بكُلِّ اسمٍ مُضافٍ مِن اسمٍ أو مَصدَرٍ أو صفةٍ مُشبَّهةٍ مُضافةٍ إلى لفظِ «الدِّينِ» ولفظِ «الإسلامِ»؛ مِثلُ: نُورِ الدِّينِ، ضياءِ الدِّينِ، سَيفِ الإسلامِ، نُورِ الإسلامِ ... وذلك لعظيمِ منزلةِ هذَينِ اللَّفظَينِ «الدِّينِ» و«الإسلامِ»؛ فالإضافةُ إليهما على وجْهِ التَّسميةِ فيها دعوى فجَّةٌ تَدلُّ على الكَذِبِ؛ ولهذا نصَّ بعضُ العُلماءِ على التَّحريمِ، والأكثرُ على الكراهةِ؛ لأنَّ منها ما يوهِمُ معانيَ غيرَ صحيحةٍ ممَّا لا يجوزُ إطلاقُه، وكانت في أوَّلِ حُدوثِها ألقابًا زائِدةً عن الاسمِ، ثمَّ استُعمِلَت أسماءً.
وقد يكونُ الاسمُ من هذه الأسماءِ مَنهيًّا عنه من جِهَتينِ؛ مثلُ: شِهابِ الدِّينِ؛ فإنَّ الشِّهابَ: الشُّعلةُ مِن النَّارِ، ثمَّ إضافةُ ذلك إلى الدِّينِ... وكان النّوويُّ يَكرَهُ تلقيبَه بمُحيي الدِّينِ، وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ يَكرَهُ تلقيبَه بتَقيِّ الدِّينِ، ويقولُ: لكِنَّ أهلي لقَّبوني بذلك فاشتَهَر) [2037] ((معجم المناهي اللفظية)) لبكر أبو زيد (ص: 544). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (ولا رَيبَ أنَّ هذه المُحدَثاتِ التي أحدَثها الأعاجِمُ، وصاروا يزَيدون فيها، فيقولون: عِزُّ المِلَّةِ، وعِزُّ الدِّينِ، وعِزُّ الحَقِّ، وأكثَرُ ما يدخُلُ في ذلك من الكَذِبِ المُبينِ، بحيثُ يكونُ المنعوتُ بذلك أحَقَّ بضِدِّ ذلك الوَصفِ، والذين يَقصِدون هذه الأمورَ فَخرًا وخُيَلاءَ يُعاقِبُهم اللهُ بنقيضِ قَصدِهم، فيُذِلُّهم ويُسَلِّطُ عليهم عَدُوَّهم، والذين يتَّقون اللهَ ويقومون بما أمرَهم به من عبادتِه وطاعتِه يُعِزُّهم ويَنصُرُهم، كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51] ، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8] ، واللهُ أعلَمُ، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وآلِه وسَلَّم) [2038]  ((مجموع الفتاوى)) (26/ 312). .
- تلقيبُ مَن ليس بأهلٍ لِما لُقِّبَ به:
 قال الزَّمخشَريُّ: (وأمَّا ما استُحدِثَ من تلقيبِ السِّفْلةِ بالألقابِ العَلِيَّةِ، حتَّى زال التَّفاضُلُ، وذهب التَّفاوُتُ، وانقلبت الضَّعةُ والشَّرفُ والفَضلُ والنَّقصُ شَرعًا واحِدًا- فمُنكَرٌ، وهَبْ أنَّ العُذرَ مَبسوطٌ في ذلك، فما العُذرُ في تلقيبِ مَن ليس في الدِّينِ بقَبيلٍ ولا دَبيرٍ، ولا له فيه ناقةٌ ولا جَمَلٌ، بل هو مُحتَوٍ على ما يُضادُّ الدِّينَ ويُنافيه- بجَمالِ الدِّينِ وشَرَفِ الإسلامِ؟! هي -لَعَمْرُ اللهِ- الغُصَّةُ التي لا تُساغُ، والغَبنُ الذي يتناثَرُ الصَّبرُ دونَه. نسألُ اللهَ إعزازَ دينِه، وإعلاءَ كَلِمتِه، وأنْ يُصلِحَ فاسِدَنا، ويُوقِظَ غافِلَنا) [2039]  ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) (2/ 482). .
وقال ابنُ رَشيقٍ [2040]  ((ديوان ابن رشيق)) (ص: 46- 47). :
ممَّا يُبَغِّضُني في أرضِ أندَلُسٍ
أسماءُ مُقتَدِرٍ فيها ومُعتَضِدِ
ألقابُ مملكةٍ في غَيرِ مَوضِعِها
كالهِرِّ يحكي انتِفاخًا صَولةَ الأسَدِ

انظر أيضا: