موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: نماذِجُ من التَّعالُمِ


ممَّا رُوِيَ من أخبارِ المتعالِمينَ:
- قصَّةُ الهَرَويِّ شَمسِ بنِ عَطاءٍ الرَّازيِّ ت 887ه، وكان من أعوانِ تَيْمورلنك، وكان عريضَ الدَّعوى في الحِفظِ، فاستعظَمَ النَّاسُ ذلك، فجُعِل له مجلِسٌ لامتحانِه، وكان من جملةِ ما سُئِل عنه حينَئذٍ: هل ورد النَّصُّ على أنَّ المغرِبَ تُقصَرُ في السَّفَرِ؟
فقال: نعم، جاء ذلك من حديثِ جابِرٍ في كتابِ الفِردَوسِ لأبي اللَّيثِ السَّمَرقَنديِّ، فلمَّا انفَصلوا ورجَعوا إلى كتابِ أبي اللَّيثِ لم يجِدوا فيه ذلك، فقيل له في ذلك.
فقال: لكتابِ السَّمَرْقَنديِّ هذا ثلاثُ نُسَخٍ: كُبرى، ووُسطى، وصُغرى، وهذا الحديثُ في الكُبرى، ولم تَدخُلِ الكُبرى هذه البلادَ! فاستَشْعروا كَذِبَه من يومِئذٍ [1668] يُنظَر: ((إنباء الغمر بأبناء العمر)) لابن حجر (3/ 58)، ((التعالم وأثره على الفكر والكتاب)) لبكر أبي زيد (ص: 18). .
- عن أبي العيناءِ قال: حضَرْتُ مجلِسَ بعضِ المحَدِّثين المغَفَّلين فأسندَ حديثًا: عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن جِبرائيلَ عن اللَّهِ عن رجلٍ. فقلتُ: من هذا الذي يصلُحُ أن يكونَ شيخَ اللَّهِ؟! فإذا هو قد صحَّفه، وإذا هو: عزَّ وجَلَّ [1669] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (ص: 84). !
- عن محمَّدِ بنِ حمدانَ قال: سمِعتُ صالِحًا -يعني جَزَرةَ- يقولُ: قَدِم علينا بعضُ الشُّيوخِ من الشَّامِ، وكان عندَه كُرَّاسٌ فيه عن جريرٍ، فقرأتُ عليه: حدَّثَكم جريرٌ عن ابنِ عُثمانَ أنَّه كان لأبي أسامةَ خَرَزةٌ يَرقي بها المريضَ، فصَحَّفْتُ أنا الخَرَزةَ، فقُلتُ: كان لأبي أسامةَ جَزَرةٌ. قال الخَطيبُ: وبهذا سُمِّيَ صالِح جَزَرة [1670] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (ص: 85). !
- (في كُتُبِ المحاضَراتِ أنَّ رجُلًا كان يُفتي كُلَّ سائِلٍ دونَ توقُّفٍ، فلحَظ أقرانُه ذلك منه، فأجمعوا أمْرَهم لامتحانِه بنَحتِ كَلِمةٍ ليس لها أصلٌ، هي: الخُنْفُشارُ، فسألوه عنها فأجاب على البَديهةِ بأنَّه: نَبتٌ طَيِّبُ الرَّائحةِ يَنبُتُ بأطرافِ اليَمَنِ، إذا أكلَتْه الإبِلُ عَقَد لبنُها! قال شاعِرُهم اليمانيُّ:
لقد عَقَدَتْ محبَّتُكم فؤادي
كما عَقَد الحَليبَ الخُنْفُشارُ
- وقال داودُ الأنطاكيُّ في تذكِرتِه كذا، وقال فلانٌ وفلانٌ... وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاستوقفوه وقالوا: كذَبْتَ على هؤلاء فلا تكذِبْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!) [1671] ((التعالم)) لبكر أبو زيد (ص: 17). ويُنظَر: ((الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة)) لابن بسام (7/ 32، 33)، ((نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب)) للمقري (3/ 81)، ((تاج العروس)) للزبيدي (11/ 228). .
- عن أبي فَزارةَ الأسديِّ قال: قلتُ لسعيدِ بنِ هُشَيمٍ: لو حَفِظتَ عن أبيك عَشَرةَ أحاديثَ سُدْتَ النَّاسَ، وقيل: هذا ابنُ هُشَيمٍ، فجاءوك فسَمِعوا منك، قال: شغَلني عن ذلك القُرآنُ، فلمَّا كان يومٌ آخَرُ، قال لي: جُبَيرٌ كان نبيًّا أم صِدِّيقًا؟ قال: قُلتُ: مَن جُبَيرٌ؟ قال: قولُه عزَّ وجل: واسألْ به جُبَيرًا! قال: قُلتُ له: يا غافِلُ، زعَمْتَ أنَّ القرآنَ أشغَلَك [1672] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (ص: 77). !
- وعن أبي عُبَيدةَ قال: كنَّا نجلِسُ إلى أبي عَمرِو بنِ العلاءِ فنخوضُ في فُنونٍ من العِلمِ، ورجُلٌ يجلِسُ إلينا لا يتكَلَّمُ حتى نقومَ، فقُلْنا: إمَّا أن يكونَ مجنونًا أو أعلَمَ النَّاسِ! فقال يونُسُ: أو خائِفٌ، سأُظهِرُ لكم أمرَه. فقال له: كيف عِلمُك بكتابِ اللَّهِ تعالى؟ قال: عالِمٌ به، قال: ففي أيِّ سورةٍ هذه الآيةُ:
الحمدُ للهِ لا شريكَ له
مَن لم يَقُلْها فنَفسَه ظَلَمَا
فأطرَقَ ساعةً، ثمَّ قال: في: حم الدُّخَان [1673] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (ص: 78). !

انظر أيضا: