موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


ماذا يفعَلُ من أرادَ أن يمدَحَ غَيرَه؟
عن أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: أثنى رجلٌ على رجُلٍ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((وَيلَك! قطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِك، قطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِك!)) مِرارًا، ثمَّ قال: ((مَن كان منكم مادِحًا أخاه لا محالةَ فلْيَقُلْ: أحسَبُ فلانًا واللَّهُ حَسيبُه، ولا أزكِّي على اللَّهِ أحَدًا، أحسَبُه كذا وكذا، إن كان يعلَمُ ذلك منه)) [555] أخرجه البخاري (2662) واللفظ له، ومسلم (3000) .
قال العَينيُّ: (قَولُه: ولا أُزَكِّي على اللهِ أحَدًا: أي: لا أقطَعُ له على عاقِبةِ أحَدٍ بخَيرٍ ولا غَيرِه؛ لأنَّ ذلك مُغَيَّبٌ عنَّا، ولَكِن نَقولُ: نَحسَبُ ونَظُنُّ؛ لوُجودِ الظَّاهرِ المُقتَضي لذلك) [556] ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (13/238). .
ماذا يفعَلُ العَبدُ إذا أثنى عليه غَيرُه ومَدحَه؟
قال الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ على المَمدوحِ أن يكونَ شَديدَ الاحتِرازِ عن آفةِ الكِبرِ والعُجبِ وآفةِ الفُتورِ، ولا ينجو منه إلَّا بأن يَعرِفَ نَفسَه، ويتَأمَّلَ ما في خَطَرِ الخاتِمةِ ودَقائِقِ الرِّياءِ وآفاتِ الأعمالِ؛ فإنَّه يَعرِفُ مِن نَفسِه ما لا يَعرِفُه المادِحُ، ولو انكشَفَ له جَميعُ أسرارِه وما يجري على خَواطِرِه لَكفَّ المادِحُ عن مَدحِه، وعليه أن يُظهِرَ كراهةَ المَدحِ بإذلالِ المادِحِ) [557] ((إحياء علوم الدين)) (3/161).  .
الثَّناءُ على الغَيرِ بخِلافِ ما يعتَقِدُه المُثني مِن النِّفاقِ:
عن عاصِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيدِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عن أبيه، قال أُناسٌ لابنِ عُمَرَ: إنَّا نَدخُلُ على سُلطانِنا، فنَقولُ لهم خِلافَ ما نَتَكلَّمُ إذا خَرَجْنا مِن عِندِهم! قال: (كُنَّا نَعُدُّها نِفاقًا) [558] أخرجه البخاري (7178) .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (لا ينبَغي لمُؤمِنٍ أن يُثنيَ على سُلطانٍ أو غَيرِه في وجهِه، وهو عِندَه مُستَحِقٌّ للذَّمِّ، ولا يقولَ بحَضرَتِه بخِلافِ ما يقولُه إذا خَرَجَ مِن عِندِه؛ لأنَّ ذلك نِفاقٌ) [559] ((شرح صحيح البخاري)) (8/ 250). .
مَدحُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنَفسِه:
عن أبي سَعيدٍ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ، ولا فَخْرَ)) [560] أخرجه مطوَّلًا الترمذي (3148)، وابن ماجه (4308) واللفظ له، وأحمد (10987) مِن حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذيُّ، وابن تيمية في ((التوسل والوسيلة)) (126)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3148)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17/ 11). .
قال الغَزاليُّ: (أي: لَستُ أقولُ هذا تَفاخُرًا، كما يقصِدُ النَّاسُ بالثَّناءِ على أنفُسِهم؛ وذلك لأنَّ افتِخارَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان باللهِ وبالقُربِ مِن اللهِ، لا بولَدِ آدَمَ وتَقَدُّمِه عليهم، كما أنَّ المَقبولَ عِندَ المَلكِ قَبولًا عَظيمًا إنَّما يفتَخِرُ بقَبولِه إيَّاه وبه يفرَحُ، لا بتَقدُّمِه على بَعضِ رَعاياه) [561] ((إحياء علوم الدين)) لأبي حامد الغزالي (3/161). .

انظر أيضا: