موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- قِصَصٌ ونماذِجُ من الوَرَعِ عِندَ السَّلَفِ


وَرَعُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ:
- عن ابنِ السَّمَّاكِ قال: (كان عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يقسِمُ تفَّاحًا بَيْنَ النَّاسِ، فجاء ابنٌ له وأخذ تفاحةً من ذلك التُّفَّاحِ، فوثب إليه ففَكَّ يَدَه، فأخذ تلك التُّفاحةَ فطرحها في التُّفَّاحِ! فذهب إلى أمِّه مستغيثًا فقالت له: ما لك أي بُنَيَّ؟ فأخبَرَها، فأرسلت بدرهمينِ فاشترت تفاحًا، فأكلَت وأطعمَتْه، ورفَعَت لعُمَرَ، فلمَّا فرغ ممَّا بَيْنَ يديه دخل إليها، فأخرجت له طبقًا من تفَّاحٍ، فقال: من أين هذا يا فاطمةُ؟ فأخبرته فقال: رحمكِ اللهُ، واللهِ إنْ كُنتِ لأشتَهيه!) [9522] ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 124). .
- وعن فاطِمةَ بنتِ عَبدِ المَلِكِ قالت: (اشتهى عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يومًا عسَلًا، فلم يكنْ عندنا، فوجَّهْنا رجلًا على دابَّةٍ من دوابِّ البريدِ إلى بَعلَبَكَّ، فأتى بعَسَلٍ، فقُلْنا يومًا: إنَّك ذكَرْتَ عسَلًا وعندنا عَسلٌ، فهل لك فيه؟ قال: نعم. فأتيناه به فشَرِب، ثمَّ قال: من أين لكم هذا العَسَلُ؟ قالت: قلتُ: وجَّهْنا رجلًا على دابَّةٍ من دوابِّ البريدِ بدينارينِ إلى بعلَبَكَّ فاشترى لنا عسَلًا. قالت: فأرسَلَ إلى الرَّجُلِ فجاء، فقال: انطَلِقْ بهذا العَسَلِ إلى السُّوقِ، فبِعْه، فاردُدْ إلينا رأسَ مالِنا، وانظُرِ الفَضلَ، فاجعَلْه في عَلَفِ دوابِّ البريدِ! ولو كان ينفَعُ المُسلِمين قيءٌ لتقَيَّأْتُ!) [9523] ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 124). .
وَرَعُ محمَّدِ بنِ سِيرينَ:
- عن العلاءِ بنِ زيادٍ أنَّه كان يقولُ: (لو كنتُ مُتمَنِّيًا لتمنَّيتُ فِقهَ الحَسَنِ، ووَرَعَ ابنِ سِيرينَ، وصوابَ مُطَرِّفٍ، وصلاةَ مُسلِمِ بنِ يَسارٍ) [9524] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 511). .
- وعن عاصِمٍ قال: (سَمِعتُ مُوِرِّقًا العِجليَّ يقولُ: ما رأيتُ أحدًا أفقَهَ في ورَعِه ولا أورَعَ في فِقهِه من محمَّدِ بنِ سيرينَ. وقال عاصِمٌ: وذُكِر محمَّدٌ عِندَ أبي قِلابةَ، فقال: اصرِفوه كيف شِئتُم، فلتَجِدُنَّه أشدَّكم وَرَعًا، وأملَكَكم لنَفسِه!) [9525] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 609). .
- وقال بَكرُ بنُ عبدِ اللهِ المُزنيُّ: (من أراد أن ينظُرَ إلى أورَعِ مَن أدرَكْنا، فلينظُرْ إلى محمَّدِ بنِ سِيرينَ. وقال هشامُ بنُ حَسَّانَ: كان محمَّدٌ يتَّجِرُ، فإذا ارتاب في شيءٍ تَرَكه) [9526] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 615). .
- وعن هِشامَ بنِ حَسَّانَ: (أنَّ ابنَ سيرينَ اشترى بيعًا مِن مَنُونِيا [9527] مَنُونِيَا: قريةٌ من قرى نهرِ الملك، كانت أوَّلًا مدينةً، ولها ذِكرٌ في أخبارِ الفُرسِ، وهي على شاطئِ نهرِ الملك. ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي (4/616). ، فأشرَفَ فيه على ربحِ ثمانينَ ألفًا، فعَرَض في قلبه شيءٌ، فتركه. قال هشامٌ: ما هو واللهِ برِبًا!) [9528] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 616). .
- وقال محمَّدُ بنُ سعدٍ: (سألتُ الأنصاريَّ عن سببِ الدَّينِ الذي ركِبَ محمَّدَ بنَ سِيرينَ حتى حُبِس؟ قال: اشترى طعامًا بأربعين ألفًا، فأُخبِرَ عن أصلِ الطَّعامِ بشَيءٍ، فكَرِهه، فتركه، أو تصدَّقَ به، فحُبِس على المالِ، حبَسَتْه امرأةٌ، وكان الذي حبَسَه مالكُ بنُ المنذِرِ. وقال هشامٌ: ترك محمَّدٌ أربعين ألفًا في شيءٍ ما يَرَون به اليومَ بأسًا!) [9529] يُنظر: ((الطبقات الكبير)) لابن سعد (9/ 197)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/616). .
وَرَعُ عبدِ اللهِ بنِ المُباركِ:
عن الحسَنِ بنِ عَرفةَ قال: (قال لي ابنُ المبارَكِ: استعَرْتُ قَلَمًا بأرضِ الشَّامِ، فذهبتُ على أن أردَّه، فلمَّا قَدِمتُ مَرْوًا نظَرْتُ فإذا هو معي، فرجَعتُ إلى الشَّامِ حتى ردَدْتُه على صاحبِه!) [9530] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (8/ 395). .
وقال الحَسَنُ بنُ الرَّبيعِ: (لمَّا احتُضِر ابنُ المبارَكِ في السَّفَرِ، قال: أشتهي سَويقًا. فلم نجِدْه إلَّا عِندَ رجُلٍ كان يعمَلُ للسُّلطانِ، وكان معنا في السَّفينةِ، فذكَرْنا ذلك لعبدِ اللهِ، فقال: دعوه. فمات ولم يَشرَبْه!) [9531] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (8/ 411). .
وَرَعُ أبي وائلٍ شَقيقِ بنِ سَلَمةَ:
(كان أبو وائلٍ يقولُ لجاريتِه: إذا جاء يحيى -يعني ابنَه- بشيءٍ فلا تقبَليه، وإذا جاء أصحابي بشيءٍ فخُذيه. وكان ابنُه قاضيًا على الكناسةِ!
وكان لأبي وائلٍ -رحمه الله- خُصٌّ من قَصَبٍ، يكونُ فيه هو وفَرَسُه، فإذا غزا نقَضَه وتصدَّق به، فإذا رجَع أنشأ بناءَه).
قال الذَّهبيُّ: (قد كان هذا السَّيِّدُ رأسًا في العِلمِ والعَمَلِ) [9532] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 165). .
وَرَعُ محمَّدِ بنِ واسِعٍ:
عن ابنِ شوذَبٍ قال: (كان محمَّدُ بنُ واسِعٍ مع يزيدَ بنِ المهَلَّبِ بخراسانَ غازيًا، فاستأذنه للحَجِّ فأذن له فقال له: نأمُرُ لك؟ قال: تأمرُ به للجيشِ كُلِّهم؟ قال: لا، قال: لا حاجةَ لي به) [9533] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (4/ 165). .
وَرَعُ زكريَّا بنِ عَديٍّ التَّيميِّ:
عن أبي يحيى صاعقةٍ، قال: (قَدِم زكريَّا بنُ عَدِيٍّ هاهنا، فكلَّموا له إنسانًا، وكان شُغلُه في ضيعةٍ، وأجرى عليه ثلاثين دِرهمًا، وكره أن يزيدَه فلا يذهَبَ، فلمَّا كان بعد شَهرٍ قَدِم فقُلنا: ما حالُك؟ فقال: ليس أراني أعمَلُ بقَدرِ ما آخُذُ، فاشتكت عينُه فأتاه إنسانٌ بكُحلٍ، فقال: أنت ممَّن يسمعُ الحديثَ؟ قال: نعم، فأبى أن يأخُذَه) [9534] ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (9/467). .
وَرَعُ بِشرٍ الحافي وأختِه:
(قيل: جاءت أختُ بِشرٍ الحافي إلى أحمَدَ بنِ حنبَلٍ وقالت: إنَّا نغزِلُ على سُطوحِنا فتَمُرُّ بنا مشاعِلُ الظَّاهِريَّةِ ويَقَعُ الشُّعاعُ علينا، أفيجوزُ لنا الغزلُ في شُعاعِها؟! فقال أحمدُ: من أنتِ؟ عافاك اللهُ تعالى! فقالت: أختُ بِشرٍ الحافي، فبكى أحمد وقال: مِن بَيتِكم يخرُجُ الوَرَعُ الصَّادِقُ، لا تَغزلي في شُعاعِها) [9535] ((الرسالة القشيرية)) (1/ 235). .
وَرَعُ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ:
عن أحمَدَ بنِ محمَّدِ بنِ مسروقٍ قال: قال لي عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبَلٍ: دخل عليَّ أبي رحمه اللهُ في مرضي يعودُني، فقلتُ: يا أبتِ، عندنا شيءٌ قد بقي مما كان يَبَرُّنا به المتوكِّلُ، أفأحُجُّ منه؟ قال: نعم، قلتُ: فإذا كان هذا عندَك هكذا، فلم لم تأخُذْ؟! قال: يا بُنَيَّ، ليس هو عندي حرامٌ، ولكنِّي تنزَّهتُ عنه [9536] ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 347). .
وعن جعفَرِ بنِ محمَّدِ بنِ يعقوبَ قال: جاءَ رسولٌ من دارِ أحمَدَ بنِ حنبلٍ إليه يذكُرُ له أنَّ أبا عبدِ الرَّحمنِ عليلٌ واشتهى الزُّبدَ، فناول رجلًا من أصحابِه قطعةً وقال: اشترِ له بها زُبدًا، فجاء به على وَرقِ سلقٍ، فلمَّا أن نظَرَ إليه قال: من أين هذا الوَرَقُ؟ فقال: أخذتُه من عِندَ البقَّالِ، فقال: استأذَنْتَه في ذلك؟ قال: لا، قال: رُدَّه [9537] ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 354). .
وعن محمَّدِ بنِ عَيَّاشٍ قال: أرسلني أبو عبدِ اللهِ فاشتريتُ له سَمنًا بقِطعةٍ، فجئتُ به على وَرَقةِ بَقلٍ، فأخذ السَّمنَ وأعطاني الوَرَقةَ، وقال: رُدَّها [9538] ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 353). .
وقال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: رُبَّما مكثتُ في المسألةِ ثلاثَ سِنينَ قبل أن أعتَقِدَ منها شَيئًا!
وعن أبي بَكرٍ الأثرمِ قال: سمعتُ أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ يُستفتى، فيُكثِرُ أن يقولَ: لا أدري، وذلك فيما قد عَرَف الأقاويلَ فيه، وذلك أنَّه يُسألُ عن اختيارِه فيذكُرُ الاختلافَ، ومعنى قولِه: لا أدري، أي: ما أختارُ من ذلك، وربما سمعتُه يقولُ في المسألةِ: لا أدري، ثمَّ يَذكُرُ فيها أقاويلَ [9539] ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 359). .

انظر أيضا: