موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- الوَرَعُ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القُدوةَ في الوَرَعِ، فكان زاهِدًا وَرِعًا، وقد ضَرَب لنا نموذجًا أعلى في الوَرَعِ، فهذا أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه يحكي لنا مشهَدًا من مشاهِدِ الوَرَعِ، فيقولُ:
- ((مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتمرةٍ مَسقوطةٍ، فقال: لولا أن تكونَ صَدَقةً لأكَلْتُها)) [9500] رواه البخاري (2055) واللفظ له، ومسلم (1071) من حديثِ أنسٍ رَضِيَ الله عنه. .
(فيه دليلٌ على تحريمِ الصَّدَقةِ على النَّبيِّ -عليه السَّلامُ- مُطلَقًا سواءٌ كانت فرضًا أو تطوُّعًا؛ لعمومِ اللَّفظِ،
وفيه استعمالُ الوَرَعِ؛ لأنَّ هذه التَّمرةَ لا تحرُمُ بمجَرَّدِ الاحتمالِ، لكِنَّ الوَرَعَ تَركُها) [9501] ((نخب الأفكار)) للعيني (7/ 527). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إني لأنقلِبُ إلى أهلي، فأجِدُ التَّمرةَ ساقِطةً على فراشي، فأرفَعُها لآكُلَها، ثمَّ أخشى أن تكونَ صَدَقةً؛ فأُلقيها)) [9502] رواه البخاري (2432) واللفظ له، ومسلم (1070). .
(قال المُهَلَّبُ: إنما تركها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تورعًا وليس بواجبٍ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ كُلَّ شيءٍ في بيتِ الإنسانِ على الإباحةِ حتَّى يقومَ دليلٌ على التَّحريمِ) [9503] ((فتح الباري)) لابن حجر (4/294). .
فالمحَلُّ الذي رأى فيه التَّمرةَ هو فِراشُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومع ذلك لم يأكُلْها، وذلك أبلغُ في الوَرَعِ [9504] ((فتح الباري)) (4/294). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ الحَسَنَ بنَ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما أخذَ تمرةً من تمرِ الصَّدَقةِ فجَعَلها في فيه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالفارسيَّةِ: كِخْ، كِخْ [9505] هي كَلِمةٌ يُزجَرُ بها الصِّبيانُ عن المستقذَراتِ، فيقالُ له: كِخْ، أي اتركْه وارمْ به، وقيل: هي عجميَّةٌ مُعربَّةٌ، بمعنى بئِسَ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 175). ! أمَا تَعرِفُ أنَّا لا نأكُلُ الصَّدَقةَ)) [9506] رواه البخاري (3072) واللفظ له، ومسلم (1069). .
- وعن رجُلٍ من الأنصارِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجْنا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جِنازةٍ، فرَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو على القَبرِ يوصي الحافِرَ: أوسِعْ مِن قِبَلِ رِجلَيه، أوسِعْ مِن قِبَلِ رأسِه، فلمَّا رَجَعَ استَقبلَه داعي امرَأةٍ، فجاءَ وجيءَ بالطَّعامِ، فوَضَعَ يَدَه، ثُمَّ وَضَعَ القَومُ فأكَلوا، فنَظَرَ آباؤُنا ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَلوكُ [9507] أي: يمضُغُ. يُنظَر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (26/ 129). لُقمةً في فيه، ثُمَّ قالَ: أجِدُ لَحمَ شاةٍ أُخِذَت بغَيرِ إذنِ أهلِها، فأرسَلَتِ المَرأةُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أرسَلتُ إلى البَقيعِ [9508] اسمُ مكانٍ متَّسِعٍ كانت فيه سوقُ أهلِ المدينةِ، وهو غيرُ بقيعِ الغَرقَد. يُنظَر: ((الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني)) للساعاتي (15/ 147).   يُشتَرى لي شاةٌ فلم توجَدْ، فأرسَلتُ إلى جارٍ لي قد اشتَرى شاةً أن أَرسِلْ إليَّ بها بثَمَنِها فلم توجَدْ، فأرسَلتُ إلى امرأتِه فأرسَلَت إليَّ بها، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَطعِميه الأُسارى)) [9509] رواه أبو داود (3332) واللفظ له، وأحمد (22509). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3332)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1490)، وصحَّح إسنادَه النووي في ((المجموع)) (5/286)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/296)، وابن حجر في ((التخليص الحبير)) (2/686). .

انظر أيضا: