موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ النَّظافةِ


1- الاعتقادُ بأنَّ المُهِمَّ هو نظافةُ الباطِنِ وطهارتُه دونَ نظافةِ الظَّاهِرِ، وهذا خطَأٌ؛ فالاهتمامُ بطهارةِ الباطِنِ لا يكونُ على حِسابِ نظافةِ وطهارةِ الظَّاهِرِ؛ قال المُناويُّ: (وقد تهاون بذلك أي تنظيفِ الثَّوبِ والبَدَنِ جمعٌ من الفُقَراءِ، حتى بلغ ثوبُ أحَدِهم إلى حَدٍّ يُذَمُّ عقلًا وعُرفًا، ويكاد يُذَمُّ شَرعًا، سوَّل الشَّيطانُ لأحَدِهم فأقعده عن التَّنظيفِ بنحوِ: نَظِّفْ قلبَك قبلَ ثوبِك، لا لنُصحِه بل لتخذيلِه عن امتثالِ أوامِرِ اللهِ ورسولِه، وإقعادِه عن القيامِ بحَقِّ جليسِه ومجامِعِ الجماعةِ المطلوبِ فيها النَّظافةُ، ولو حقَّق لوجد نظافةَ الظَّاهِرِ تُعينُ على نظافةِ الباطِنِ) [9399] ((فيض القدير)) (2/225). ويُنظر: ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص: 104). .
ويقولُ محمَّد رشيد رضا: (الطَّهارةُ تشمَلُ الأمرينِ معًا أي: طهارةَ الظَّاهِرِ وطهارةَ الباطِنِ، وكلٌّ منهما يكونُ عونًا للآخَرِ، كما أنَّ التَّنطُّعَ والإسرافَ في أيِّ واحدةٍ منهما يشغَلُ عن الأخرى، وهذا هو سببُ عدَمِ عنايةِ بعضِ الزُّهادِ والعُبَّادِ بنظافةِ الظَّاهِرِ، وعدَمِ عنايةِ المُوسْوِسينَ المتنَطِّعين في نظافةِ الظَّاهِرِ بنظافةِ الباطِنِ، والإسلامُ وَسَطٌ بَيْنَهما، يأمُرُ بالجَمعِ بَيْنَ الأمرَينِ منهما؛ وذلك أنَّ الإنسانَ مركَّبٌ من جسَدٍ ونَفسٍ، وكمالُه إنما يكونُ بنظافةِ بَدَنِه، وتزكيةِ نفسِه؛ فالطُّهورُ الحِسِّيُّ هو الشَّطرُ الأوَّلُ الخاصُّ بالجسَدِ، وتزكيةُ النَّفسِ بسائِرِ العباداتِ هو الشَّطرُ الثَّاني، وبكلتيهما يَكمُلُ الإيمانُ بالأعمالِ المترتِّبةِ عليه) [9400] يُنظَر: ((تفسير المنار)) (6/218). .
إنَّ (بعضَ مُحتَرِفي التَّديُّنِ يحسَبون فوضى الملبَسِ واتِّساخَه ضَربًا من العبادةِ، وربما تعمَّدوا ارتداءَ المرقَّعاتِ والتَّزَيِّي بالثِّيابِ المُهمَلةِ ليُظهِروا زُهدَهم في الدُّنيا وحَثَّهم للأُخرى. وهذا من الجهلِ الفاضِحِ بالدِّينِ، والافتراءِ على تعاليمِه؛ حدَّثنا ابنُ عبَّاسٍ قال: لمَّا خرجَت الحَروريَّةُ أتيتُ عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه فقال: ائتِ هؤلاء القومَ: فلَبِستُ أحسَنَ ما يكونُ من حُلَلِ اليَمَنِ، فلَقِيتُهم، فقالوا: مرحبًا بك يا ابنَ عبَّاسٍ، ما هذه الحُلَّةُ؟! قلتُ: ما تعيبونَ عَلَيَّ؟! لقد رأيتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ ما يكونُ من الحُلَلِ [9401] أخرجه أبو داود (4037) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (7368)، والبيهقي في السنن الكبرى (16740). قال الحاكم: صحيحٌ على شَرطِ مُسلِمٍ، وصحَّحه ابنُ دقيق العيد في الاقتراح في بيان الاصطلاح (ص: 115)، وحسَّن إسنادَه الألباني في صحيح سنن أبي داود (4037)، وقال شعيب في تخريج سنن أبي داود (4037): إسنادُه قويٌّ. . وعن البراءِ: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مربوعًا، وقد رأيتُه في حُلَّةٍ حمراءَ، ما رأيتُ شيئًا أحسَنَ منه قَطُّ [9402] أخرجه البخاري (5848) واللفظ له، ومسلم (2337). [9403] ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (ص: 145). .
2- الاعتقادُ بأنَّ التَّنظُّفَ والتَّجمُّلَ من الكِبرِ:
من الأخطاءِ: الاعتقادُ بأنَّ التَّنظُّفَ والتَّجمُّلَ من الكِبرِ؛ قال ابنُ تَيميَّةَ: (ثبت في الصَّحيحِ أنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ مَن في قَلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ، ولا يدخُلُ النَّارَ مَن في قَلبِه مثقالُ ذَرَّةٍ من إيمانٍ. فقيل: يا رسولَ اللهِ الرَّجُلُ يحِبُّ أن يكونَ ثوبُه حَسَنًا ونَعلُه حَسَنًا، أفمِنَ الكِبرِ ذاك؟ فقال: لا، إنَّ اللهَ جميلٌ يحِبُّ الجمالَ، ولكِنَّ الكِبرَ بَطَرُ الحَقِّ وغَمطُ النَّاسِ. فأخبر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ يحِبُّ التَّجمُّلَ في اللِّباسِ الذي لا يحصُلُ إلَّا بالغِنى، وأنَّ ذلك ليس من الكِبرِ. وفي الحديثِ الصَّحيحِ: ((ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ ولا ينظُرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: فقيرٌ مختالٌ، وشيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كذَّابٌ)) [9404] أخرجه مسلم (107). ) [9405] ((مجموع الفتاوى)) (11/ 129، 130). .

انظر أيضا: