موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من المُواساةِ عِندَ السَّلَفِ


- مواساةُ عليِّ بنِ الحَسَنِ زينِ العابِدينَ:
قال ابنُ كثيرٍ: (قال محمَّدُ بنُ إسحاقَ: كان ناسٌ بالمدينةِ يعيشون لا يدرون من أين يعيشون، ومَن يعطيهم؟ فلمَّا مات عليُّ بنُ الحُسَينِ فقَدوا ذلك، فعَرَفوا أنَّه هو الذي كان يأتيهم في اللَّيلِ بما يأتيهم به. ولمَّا مات وجَدوا في ظهرِه وأكتافِه أثرَ حَملِ الجُرُبِ إلى بيوتِ الأرامِلِ والمساكينِ في اللَّيلِ! وقيل: إنَّه كان يعولُ مائةَ أهلِ بيتٍ بالمدينةِ، ولا يدرون بذلك حتى مات! ودخل عليُّ بنُ الحُسَينِ على محمَّدِ بن أسامةَ بنِ زيدٍ يعودُه، فبكى ابنُ أسامةَ، فقال له: ما يُبكيك؟! قال: علَيَّ دينٌ. قال: وكم هو؟ قال: خمسةَ عَشَرَ ألفَ دينارٍ -وفي روايةٍ: سَبعةَ عَشَرَ ألفَ دينارٍ- فقال: هي عليَّ) [8801] ((البداية والنهاية)) (12/ 483). .
- مواساةُ أعرابيٍّ لعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ في وفاةِ أبيه:
رويَ أنَّ أعرابيًّا عزَّى ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما بأبيه، فقال:
اصبِرْ نكُنْ بك صابرين فإنَّما
صبرُ الرَّعيَّةِ بعدَ صَبِر الرَّاسِ
خيرٌ من العبَّاسِ صَبرُك بعدَه
واللهُ خيرٌ منك للعبَّاسِ
فقال ابنُ عبَّاسٍ: ما عزَّاني أحدٌ أحسَنَ من تعزيتِه [8802] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (4/ 131)، ((مختصر منهاج القاصدين)) لنجم الدين ابن قدامة (ص: 294). !
- محمَّدُ بنُ كَعبٍ القُرَظيُّ ومواساتُه للقاسِمِ بنِ محمَّدٍ في وفاةِ امرأتِه:
عن القاسِمِ بنِ محمَّدٍ أنَّه قال: (هلكَت امرأةٌ لي، فأتاني محمَّدُ بنُ كعبٍ القُرَظيُّ يُعَزِّيني بها، فقال: إنَّه كان في بني إسرائيلَ رجُلٌ فقيهٌ عالمٌ عابدٌ مجتَهِدٌ، وكانت له امرأةٌ. وكان بها معجَبًا ولها محِبًّا، فماتت فوجد عليها وَجدًا شديدًا، ولقِيَ عليها أسَفًا، حتى خلا في بيتٍ، وغلَّق على نفسِه، واحتجَب من النَّاسِ. فلم يكنْ يدخُلُ عليه أحدٌ. وإنَّ امرأةً سمعَت به فجاءته، فقالت: إنَّ لي إليه حاجةً أستفتيه فيها، ليس يُجزيني فيها إلَّا مشافهتُه، فذهب النَّاسُ ولزِمَت بابَه. وقالت: ما لي منه بُدٌّ، فقال له قائلٌ: إنَّ هاهنا امرأةً أرادت أن تستفتيَك، وقالت: إن أردتُ إلَّا مشافهتَه، وقد ذهب النَّاسُ، وهي لا تفارِقُ البابَ. فقال: ائذنوا لها. فدخلت عليه. فقالت: إني جئتُك أستفتيك في أمرٍ. قال: وما هو؟ قالت: إني استعرتُ من جارةٍ لي حلِيًّا، فكنتُ ألبَسُه وأعيرُه زمانًا، ثمَّ إنهم أرسلوا إليَّ فيه، أفأؤدِّيه إليهم؟ فقال: نعم واللهِ. فقالت: إنَّه قد مكَث عندي زمانًا، فقال: ذلك أحقُّ لردِّك إيَّاه إليهم، حين أعاروكيه زمانًا! فقالت: إي يرحمُك اللهُ، أفتأسَفُ على ما أعارك اللهُ، ثمَّ أخذه منك وهو أحقُّ به منك؟! فأبصر ما كان فيه، ونفعه اللهُ بقولِها) [8803] ((موطأ مالك)) (1/237). .
- الحَسَنُ البصريُّ يواسي رجلًا جَزِع على ولَدِه:
عن الحَسَنِ البَصريِّ رحمه اللهِ: (أنَّ رجلًا جَزِع على ولَدِه وشكا ذلك إليه، فقال الحَسَنُ: كان ابنُك يغيبُ عنك؟ قال: نعم، كانت غَيبتُه أكثَرَ من حضورِه. قال: فاتركه غائبًا؛ فإنَّه لم يغِبْ عنك غيبةً الأجرُ لك فيها أعظَمُ مِن هذه! فقال: يا أبا سعيدٍ، هوَّنْتَ عني وَجْدي على ابني!) [8804] ((الأذكار)) للنووي (ص353). .
- رجلٌ يُعَزِّي المهديَّ عن ابنةٍ له:
عزَّى رجلٌ المهديَّ عن ابنةٍ له جَزِع عليها جزَعًا شديدًا، فقال: (يا أميرَ المُؤمِنين، ما عِندَ اللهِ خيرٌ لها ممَّا عندك، وثوابُ اللهِ خيرٌ لك منها، وإنَّ أولى ما يجِبُ أن تصبِرَ عليه ما لا تستطيعُ رَدَّه). فتعزَّى عنها [8805] ((أنس المسجون وراحة المحزون)) للحلبي (ص: 53). .
- إبراهيمُ بنُ محمَّدِ بنِ طلحةَ يواسي عُروةَ بنَ الزُّبَيرِ لَمَّا مات ابنُه وقُطِعَت رِجلُه:
قال ابنُ خَلِّكان: (كان أحسَنَ من عزَّاه إبراهيمُ بنُ محمَّدِ بنِ طلحةَ، قال له: واللهِ ما بك حاجةٌ إلى المشيِ، ولا أربٌ في السَّعيِ، وقد تقدَّمَك عضوٌ من أعضائِك وابنٌ من أبنائِك إلى الجنَّةِ، والكُلُّ تَبَعٌ للبعضِ إن شاء اللهُ تعالى، وقد أبقى اللهُ لنا منك ما كنَّا إليه فقراءَ، وعنه غيرُ أغنياءَ، من عِلمِك ورأيِك، نفَعَك اللهُ وإيَّانا به، واللهُ وَليُّ ثوابِك، والضَّمينُ بحسابِك) [8806] ((وفيات الأعيان)) (3/ 256). .
- عيسى بنُ طلحةَ يواسي عُروةَ بنَ الزُّبَيرِ في قَطعِ رِجلِه:
(جاء عيسى بنُ طلحةَ إلى عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ حينَ قَدِم من عِندِ الوليدِ بنِ عبدِ الملِكِ، وقد قُطِعَت رجلُه، فقال عُروةُ لبعضِ بنيه: اكشِفْ لعَمِّك عن رِجلي ينظُرُ إليها، ففعل، فقال عيسى بنُ طَلحةَ: يا أبا عبدِ اللهِ، ما أعدَدْناك للصِّراعِ ولا للسِّباقِ! ولقد أبقى اللهُ لنا ما كنَّا نحتاجُ إليه منك؛ رأيَك وعِلمَك، فقال عُروةُ: ما عزَّاني أحدٌ عن رِجلي مِثلَك) [8807] يُنظر: ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (3/356، 357)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (40/ 265) و(47/ 319). .
- بِشرٌ الحافي ومواساتُه للفُقَراءِ:
دخَلوا على بِشرٍ الحافي في يومٍ شديدِ البردِ، وقد تجرَّد وهو ينتَفِضُ، فقالوا: ما هذا يا أبا نصرٍ؟ فقال: ذكَرْتُ الفُقَراءَ وبَرْدَهم وليس لي ما أواسيهم به، فأحببتُ أن أواسيَهم في بَردِهم [8808] ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 171). !
- سعيدُ بنُ العاصِ ومواساتُه للسَّائلينَ:
قال ابنُ عُيَينةَ: (كان سعيدُ بنُ العاصِ إذا قصده سائلٌ وليس عندَه شيءٌ، قال: اكتُبْ عليَّ سِجِلًّا بمسألتِك إلى المَيسرةِ!) [8809] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (3/447). .

انظر أيضا: