موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ من المُواساةِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


- عن عبَّادِ بنِ زاهرٍ قال: سمِعتُ عثمانَ يخطُبُ، فقال: (إنَّا واللهِ قد صَحِبْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السَّفَرِ والحَضَرِ، فكان يعودُ مرضانا، ويَتْبعُ جنائِزَنا، ويغزو معنا، ويواسِينا بالقليلِ والكثيرِ...) [8780] أخرجه أحمد في ((مسنده)) (504) وأبو يعلى كما في ((المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي)) للهيثمي (1777) والضياء في ((المختارة)) (354). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/231): (رجالُهما [أي أحمد وأبي يعلى] رجالُ الصَّحيحِ غيرَ عبادِ بنِ زاهرٍ، وهو ثقةٌ). وحسَّن إسنادَه أحمد شاكر في تخريج المسند (1/ 246) وشعيب الأرناؤوط في تخريج المسند (504). .
- النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يواسي أصحابَه بالطَّعامِ:
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثين ومئةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل مع أحدٍ منكم طعامٌ؟ فإذا مع رجُلٍ صاعٌ من طعامٍ أو نحوِه، فعُجِن، ثمَّ جاء رجلٌ مُشرِكٌ، مُشْعانٌّ طويلٌ، بغَنَمٍ يسوقُها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بيعًا أم عطيَّةً -أو قال:- أم هبةً؟ قال: لا، بل بيعٌ، فاشترى منه شاةً، فصُنِعَت، وأمر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسوادِ البَطنِ أن يُشوى، وايمُ اللهِ ما في الثَّلاثين والمئةِ إلَّا قد حزَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له حُزَّةً من سوادِ بطنِها! إن كان شاهِدًا أعطاها إيَّاه، وإن كان غائبًا خبَّأَ له، فجَعَل منها قصعتينِ، فأكلوا أجمَعون وشَبِعْنا، ففضَلَت القَصعتانِ، فحَمَلْناه على البعيرِ! أو كما قال)) [8781] أخرجه البخاري (2618) واللفظ له، ومسلم (2056). .
- النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يواسي امرأةً كانت تُصرَعُ، بتبشيرِها على صَبرِها:
عن عطاءِ بنِ أبي رَباحٍ قال: ((قال لي ابنُ عبَّاسٍ: ألا أريكَ امرأةً من أهلِ الجنَّةِ؟! قلتُ: بلى، قال: هذه المرأةُ السَّوداءُ، أتت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: إني أصرَعُ، وإني أتكَشَّفُ، فادعُ اللهَ لي، قال: إن شئتِ صَبرتِ ولكِ الجنَّةُ، وإن شئتِ دعَوتُ اللهَ أن يعافيكِ. فقالت: أصبِرُ، فقالت: إني أتكَشَّفُ، فادعُ اللهَ لي أن لا أتكَشَّفَ، فدعا لها)) [8782] أخرجه البخاري (5652) واللفظ له، ومسلم (2576). .
- النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يواسي ابنتَه فاطمةَ في حُزنِها بأنَّها أوَّلُ النَّاسِ لَحاقًا به بعدَ موتِه:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاطمةَ ابنتَه في شكواه الذي قُبِض فيه، فسارَّها بشيءٍ فبَكَت، ثمَّ دعاها فسارَّها فضَحِكَت! قالت: فسألتُها عن ذلك، فقالت: سارَّني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَرَني أنَّه يُقبَضُ في وَجَعِه الذي توفِّيَ فيه، فبَكَيتُ، ثمَّ سارَّني فأخبَرَني أنِّي أوَّلُ أهلِ بيتِه أتبَعُه، فضَحِكْتُ)) [8783] أخرجه البخاري (3625، 3626) واللفظ له، ومسلم (2450). .
- النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يواسي الأنصارَ لَمَّا قَدَّم غيرَهم عليهم في العَطاءِ:
عن ابنِ شِهابٍ: ((أخبرني أنَسُ بنُ مالكٍ أنَّ أناسًا من الأنصارِ قالوا يومَ حُنَينٍ حينَ أفاء اللهُ على رسولِه من أموالِ هوازِنَ ما أفاء، فطَفِق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطي رجالًا من قريشٍ المئةَ من الإبِلِ، فقالوا: يغفِرُ اللهُ لرسولِ اللهِ؛ يُعطي قريشًا ويتركُنا وسيُوفُنا تقطُرُ من دمائِهم! قال أنسُ بنُ مالكٍ: فحُدِّث ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من قولِهم، فأرسل إلى الأنصارِ فجمعَهم في قُبَّةٍ من أدَمٍ، فلمَّا اجتَمَعوا جاءهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ما حديثٌ بلغَني عنكم؟! فقال له فُقَهاءُ الأنصارِ: أمَّا ذوو رأيِنا -يا رسولَ اللهِ- فلم يقولوا شيئًا، وأمَّا أناسٌ منَّا حديثةٌ أسنانُهم قالوا: يغفِرُ اللهُ لرسولِه؛ يُعطي قريشًا ويتركُنا وسيُوفُنا تقطُرُ من دمائِهم! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإنِّي أعطي رِجالًا حديثي عَهدٍ بكُفرٍ أتأَلَّفُهم، أفلا تَرْضَون أن يذهَبَ النَّاسُ بالأموالِ، وترجِعون إلى رِحالِكم برسولِ اللهِ؟ فواللهِ لَمَا تنقَلِبون به خيرٌ ممَّا ينقَلِبون به! فقالوا: بلى، يا رسولَ اللهِ، قد رَضِينا)) [8784] أخرجه البخاري (4331)، ومسلم (1059) واللفظ له. .
- النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يواسي جابِرَ بنَ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما بعدَ استِشهادِ أبيه:
عن طلحةَ بنِ خِراشٍ قال: ((سمعتُ جابِرَ بنَ عبدِ اللهِ يقولُ: لقيَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لي: يا جابِرُ، ما لي أراك منكَسِرًا؟ قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، استُشهِدَ أبي، وترَك عيالًا ودَينًا، قال: أفلا أبشِّرُك بما لقِيَ اللهُ به أباك؟ قال: بلى، يا رسولَ اللهِ. قال: ما كلَّم اللهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراءِ حِجابٍ، وأحيا أباك فكَلَّمه كِفاحًا! فقال: يا عبدي تمَنَّ عليَّ أُعطِك! قال: يا رَبِّ تُحييني فأقتُلُ فيك ثانيةً! قال الرَّبُّ عزَّ وجَلَّ: إنَّه قد سبَقَ مني أنَّهم إليها لا يُرجَعون)) [8785] أخرجه من طُرُقٍ: الترمذي (3010) واللفظ له، وابن ماجه (190) باختلافٍ يسيرٍ، وأحمد (14881) مختصرًا. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (7022)، وحسَّنه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/119)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3010)، وقال الترمذيُّ: (حَسنٌ غريبٌ). .

انظر أيضا: