موسوعة الأخلاق والسلوك

سادِسًا: دَرَجاتُ المُروءةِ


للمُروءةُ ثلاثُ دَرَجاتٍ:
- الدَّرجةُ الأولى: مُروءةُ المرءِ مع نفسِه، وهي أن يحمِلَها قَسرًا على ما يجمُلُ ويَزينُ، وتَركِ ما يُدَنِّسُ ويَشينُ؛ ليصيرَ لها مَلَكةٌ في العلانيةِ، فمن أراد شيئًا في سِرِّه وخلوتِه، ملَكَه في جَهرِه وعلانيتِه، فلا يَكشِفُ عورتَه في الخَلوةِ، ولا يتجشَّأُ بصَوتٍ مُزعِجٍ ما وجَد إلى خلافِه سبيلًا، ولا يخرِجُ الرِّيحَ بصَوتٍ وهو يقدِرُ على خلافِه، ولا يجشَعُ وينهَمُ عِندَ أكلِه وَحدَه.
 وبالجملةِ: فلا يفعَلُ خاليًا ما يستحي من فعلِه في الملأِ، إلَّا ما لا يحظُرُه الشَّرعُ والعقلُ، ولا يكونُ إلَّا في الخلوةِ، كالجِماعِ والتَّخَلِّي ونحوِ ذلك.
- الدَّرجةُ الثَّانيةُ: المُروءةُ مع الخَلقِ، بأن يستعمِلَ معهم شُروطَ الأدَبِ والحياءِ، والخُلُقَ الجميلَ، ولا يُظهِرَ لهم ما يَكرَهُه هو من غيرِه لنَفسِه، ولْيتَّخِذِ النَّاسَ مرآةً لنفسِه، فكُلُّ ما كرهه ونفَر عنه من قولٍ أو فعلٍ أو خُلُقٍ فليجتَنِبْه، وما أحبَّه من ذلك واستحسَنه فليَفعَلْه.
 وصاحبُ هذه البصيرةِ ينتَفِعُ بكُلِّ من خالطه وصاحَبه من كاملٍ وناقصٍ، وسيئِّ الخُلُقِ وحَسَنِه، وعديمِ المُروءةِ وغزيرِها. وكثيرٌ من النَّاسِ يتعَلَّمُ المُروءةَ ومكارمَ الأخلاقِ من الموصوفينَ بأضدادِها، كما رويَ عن بعضِ الأكابرِ أنَّه كان له مملوكٌ سَيِّئُ الخُلُقِ، فَظٌّ غليظٌ لا يناسِبُه، فسُئِل عن ذلك فقال: أدرُسُ عليه مكارِمَ الأخلاقِ. وهذا يكونُ بمعرفةِ مكارِمِ الأخلاقِ في ضِدِّ أخلاقِه، ويكونُ بتمرينِ النَّفسِ على مصاحبتِه ومعاشرتِه والصَّبرِ عليه.
- الدَّرجةُ الثَّالثةُ: المُروءةُ مع الحقِّ سُبحانَه، بالاستحياءِ من نظَرِه إليك، واطِّلاعِه عليك في كُلِّ لحظةٍ ونَفَسٍ، وإصلاحِ عُيوبِ نفسِك جُهدَ الإمكانِ؛ فإنَّه قد اشتراها منك، وأنت ساعٍ في تسليمِ المبيعِ وتقاضي الثَّمَنِ، وليس من المُروءةِ تسليمُه على ما فيه من العُيوبِ، وتقاضي الثَّمَنِ كامِلًا، أو رؤيةِ منَّتِه في هذا الإصلاحِ، وأنَّه هو المتولِّي له لا أنت، فيُغنيك الحياءُ منه عن رُسومِ الطَّبيعةِ، والاشتغالُ بإصلاحِ عيوبِ نفسِك عن التِفاتِك إلى عيبِ غَيرِك، وشُهودُ الحقيقةِ عن رؤيةِ فِعلِك وصلاحِك [8430] يُنظَر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/353). .

انظر أيضا: