موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: شروطُ المُروءةِ


للمُروءةِ شُروطٌ لا تتأتَّى إلَّا بها، ولا يحصِّلُها الشَّخصُ إلَّا بنوعٍ من المعاناةِ وبَذلِ الجُهدِ؛ يقولُ الماوَرْديُّ: (من حقوقِ المُروءةِ وشُروطِها ما لا يُتوصَّلُ إليه إلَّا بالمعاناةِ، ولا يُوقَفُ عليه إلَّا بالتَّفقُّدِ والمراعاةِ، فثبت أنَّ مراعاةَ النَّفسِ على أفضَلِ أحوالِها هي المُروءةُ.
وإذا كانت كذلك فليس ينقادُ لها مع ثِقَلِ كُلَفِها إلَّا من تسهَّلَت عليه المشاقُّ رغبةً في الحمدِ، وهانت عليه الملاذُّ حَذَرًا من الذَّمِّ) [8431] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 326). .
وقد عدَّد بعضُ البُلَغاءِ بعضَ شُروطِ المُروءةِ، فقال: (من شرائِطِ المُروءةِ أن تَعِفَّ عن الحرامِ، وتتصَلَّفَ عن الآثامِ، وتُنصِفَ في الحُكمِ، وتكُفَّ عن الظُّلمِ، ولا تطمَعَ فيما لا تستَحِقُّ، ولا تستطيلَ على مَن لا تستَرِقُّ، ولا تُعينَ قويًّا على ضعيفٍ، ولا تُؤثِرَ دَنيًّا على شريفٍ، ولا تُسِرَّ ما يُعقِبُ الوِزرَ والإثمَ، ولا تفعَلَ ما يُقَبِّحُ الذِّكرَ والاسمَ) [8432] ((تسهيل النظر وتعجيل الظفر)) للماوردي (ص: 29). .
وقد أجاد الماوَرْديُّ في بيانِ شُروطِ المُروءةِ، مع حُسنِ التَّقسيمِ، وبراعةِ العَرضِ، وفيما يلي تلخيصٌ لكلامِه:
من هذه الشُّروطِ:
الأوَّلُ: شُروطُ المُروءةِ في نفسِ الشَّخصِ: وشروطُها في نفسِه بعد التزامِ ما أوجبه الشَّرعُ من أحكامِه يكونُ بثلاثةِ أُمورٍ، وهي:
1- العِفَّةُ: وهي نوعانِ:
أحدُهما: العِفَّةُ عن المحارِمِ: وهذه تكونُ بشيئينِ اثنينِ:
أ- ضبطُ الفَرجِ عن الحرامِ.
ب- كَفُّ اللِّسانِ عن الأعراضِ.
والثَّاني: العِفَّةُ عن المآثمِ: وهذه أيضًا لا تكونُ إلَّا بشيئينِ:
أ- الكَفُّ عن المجاهَرةِ بالظُّلمِ.
ب- زَجرُ النَّفسِ عن الإسرارِ بخيانةٍ.
2- النَّزاهةُ: وهي نوعانِ:
أحدُهما: النَّزاهةُ عن المطامعِ الدَّنيَّةِ.
والثَّاني: النَّزاهةُ عن مواقِفِ الرِّيبةِ.
3- الصِّيانةُ: وهي نوعانِ:
أ- صيانةُ النَّفسِ بالتِماسِ كفايتِها، وتقديرِ مادَّتِها.
ب- صيانتُها عن تحمُّلِ المِنَنِ من النَّاسِ، والاسترسالِ في الاستعانةِ.
الثَّاني: شروطُ المُروءةِ في غيرِه، وتكونُ بثلاثةِ أمورٍ، وهي:
- المؤازَرةُ: وهي نوعانِ:
أ- الإسعافُ بالجاهِ.
ب- الإسعافُ في النَّوائِبِ.
- والمياسَرةُ، وهي نوعانِ:
أ- العَفوُ عن الهَفَواتِ.
ب- المسامحةُ في الحقوقِ، وهي نوعانِ:
المسامَحةُ في عقودٍ: بأن يكونَ فيها سَهلَ المناجَزةِ، قليلَ المحاجَزةِ، مأمونَ الغَيبةِ، بعيدًا من المكرِ والخديعةِ.
المسامحةُ في حقوقٍ: وتتنوَّعُ المسامحةُ فيها على نوعينِ:
أحدُهما في الأحوالِ: وهو اطِّراحُ المنازعةِ في الرُّتَبِ، وتركُ المنافسةِ في التَّقدُّمِ.
والثَّاني في الأموالِ: وهي ثلاثةُ أنواعٍ: وهي مسامحةُ إسقاطٍ لعَدَمٍ، ومسامحةُ تخفيفٍ لعَجزٍ، ومسامحةُ إنكارٍ لعُسرةٍ.
- والإفضالُ: وهو نوعانِ:
إفضالُ اصطناعٍ: وهو نوعانِ:
- ما أسداه جُودًا في شُكورٍ.
- ما تألَّف به نَبْوَةَ نُفورٍ.
وإفضالُ استِكفافٍ ودِفاعٍ:
وذلك لأنَّ ذا الفَضلِ لا يَعدَمُ حاسِدَ نِعمةٍ، ومعانِدَ فضيلةٍ، يعتريه الجهلُ بإظهارِ عِنادِه، ويبعثُه اللُّؤمُ على البَذاءِ بسَفَهِه، فإن غَفَل عن استكفافِ السُّفَهاءِ، وأعرض عن استدفاعِ أهلِ البَذاءِ، صار عِرضُه هَدَفًا للمثالِبِ، وحالُه عُرضةً للنَّوائبِ، وإذا استكفى السَّفيهَ، واستدفعَ البذيءَ، صان عِرضَه، وحَمى نِعمَتَه.
ولاستِكفافِ السُّفَهاءِ بالإفضالِ شَرطانِ:
أ- أن يخفيَه حتى لا ينتَشِرَ فيه مطامِعُ السُّفَهاءِ، فيتوصَّلون إلى اجتذابِه بسَبِّه، وإلى مالِه بثَلْبِه.
ب- أن يتطَلَّبَ له في المجامَلةِ وَجهًا، ويجعَلَه في الإفضالِ عليه سببًا؛ لأنَّه لا يرى أنَّه على السَّفَهِ واستدامةِ البَذاءِ [8433] يُنظَر: ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 329-355). .

انظر أيضا: