موسوعة الأخلاق والسلوك

د- القناعةُ عندَ العُلَماءِ المتقَدِّمين والمُتأخِّرين


- قناعةُ ابنِ جريرٍ الطَّبَريِّ:
ذكَر الذَّهبيُّ في السِّيَرِ شيئًا من قناعتِه وزُهدِه، فقال: (فأمَّا أهلُ الدِّينِ والعِلمِ فغيرُ مُنكِرين عِلمَه وزُهدَه في الدُّنيا، ورَفْضَه لها، وقناعتَه رحمه اللهُ بما كان يَرِدُ عليه من حِصَّةٍ من ضَيعةٍ خَلَّفها له أبوه بطَبَرِستانَ يسيرةٍ) [7724] ((سير أعلام النبلاء)) (14/274). .
- قناعةُ أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ:
قال السَّمعانيُّ: (قال أصحابُنا ببغدادَ: كان الشَّيخُ أبو إسحاقَ إذا بَقِيَ مدَّةً لا يأكُلُ شيئًا صَعِد إلى النَّصريَّةِ، وله بها صَديقٌ، فكان يُثرِدُ له رغيفًا، ويُشرِبُه بماءِ الباقِلَّاءِ!) [7725] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (18/455). .
قال الذَّهبيُّ: (كان يقتَصِرُ على عِمامةٍ صغيرةٍ وثوبٍ قُطنيٍّ، ويقنَعُ بالقُوتِ، وكان الفقيهُ رافِعُ الحمَّالِ رفيقَه في الاشتغالِ، فيَحمِلُ شَطرَ نهارِه بالأجرةِ، ويُنفِقُ على نفسِه وعلى أبي إسحاقَ، ثمَّ إنَّ رافعًا حَجَّ وجاوَر، وصار فقيهَ الحَرَمِ في حدودِ الأربعينَ وأربعِمائةٍ، ومات أبو إسحاقَ، ولم يُخَلِّفْ دِرهمًا، ولا عليه دِرهَمٌ. وكذا فلْيَكُنِ الزُّهدُ) [7726] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (18/461-462). .
- قناعةُ ابنِ الجَوزيِّ:
يقولُ ابنُ الجوزيِّ: (فخلَوتُ يومًا بنفسي، فقُلتُ لها: وَيحَكِ! اسمَعي أحَدِّثْك: إن جمعتِ شيئًا من الدُّنيا من وَجهٍ فيه شُبهةٌ، أفأنت على يقينٍ من إنفاقِه؟ قالت: لا. قلتُ: فالمحنةُ أن يحظى به الغَيرُ، ولا تنالينَ إلَّا الكَدَرَ العاجِلَ، والوِزرَ الذي لا يؤمَنُ. ويحَكِ! اترُكي هذا الذي يمنَعُ منه الوَرَعُ لأجلِ اللهِ، فعامِليه بتَركِه. وكأنَّكِ لا تريدين أن تترُكي إلَّا ما هو محرَّمٌ فقط، أو ما لا يَصِحُّ وَجهُه؟... أمَا لكِ عِبرةٌ في أقوامٍ جمعوا فحازه سِواهم، وأمَّلُوا فما بَلغوا مُناهم؟! كم من عالمٍ جَمَع كتُبًا كثيرةً ما انتَفَع بها! وكم من منتَفِعٍ ما عندَه عشرةُ أجزاءٍ! وكم من طَيِّبِ العَيشِ لا يملِكُ دينارينِ! وكم مِن ذي قناطيرَ مُنغَّصٌ! أمَا لكِ فِطنةٌ تتلَمَّحُ أحوالَ من يترخَّصُ من وجهٍ، فيُسلَبُ منها من أوجُهٍ؟! ربَّما نزل المرَضُ بصاحِبِ الدَّارِ، أو ببعضِ مَن فيها، فأنفَق في سَنَتِه أضعافَ ما ترخَّصَ في كَسْبِه، والمتَّقي مُعافًى!) [7727] ((صيد الخاطر)) (ص: 164). .
- قناعةُ ابنِ تيميَّةَ:
قال أبو حفصٍ البَزَّارُ: (لو سُئِل عامِّيٌّ من أهلِ بلَدٍ بعيدٍ من الشَّيخِ: من كان أزهَدَ أهلِ هذا العصرِ وأكمَلَهم في رَفضِ فُضولِ الدُّنيا، وأحرَصَهم على طلَبِ الآخرةِ؟ لقال: ما سمِعْتُ بمِثلِ ابنِ تيميَّةَ رحمةُ الله عليه! وما اشتَهَر له ذلك إلَّا لمبالغتِه فيه مع تصحيحِ النِّيَّةِ، وإلَّا فمَن رأينا من العلماءِ قَنِع من الدُّنيا بمثلِ ما قَنِع هو منها، أو رَضِيَ بمثلِ حالتِه التي كان عليها؟ لم يُسمَعْ أنَّه رغِبَ في زوجةٍ حَسناءَ، ولا سُرِّيَّةٍ حوراءَ [7728] حوراءُ: هي الشَّديدةُ بياضِ العينِ الشَّديدةُ سَوادِها. يُنظَر: ((مجمع بحار الأنوار)) للفتني (1/603). ، ولا دارٍ قوراءَ [7729] دار قوراء: واسعة. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/796). ، ولا مماليكَ جوارٍ، ولا بساتينَ ولا عَقارٍ، ولا شَدَّ على دينارٍ ولا درهَمٍ، ولا رَغِبَ في دوابَّ ولا نَعَمٍ، ولا ثيابٍ ناعمةٍ فاخرةٍ ولا حَشَمٍ، ولا زاحَم في طلَبِ الرِّئاساتِ، ولا رُئِيَ ساعيًا في تحصيلِ المباحاتِ، مع أنَّ الملوكَ والأمراءَ والتُّجَّارَ والكُبراءَ كانوا طَوعَ أمرِه خاضعين لقَولِه وفِعلِه، وادِّينَ أن يتقَرَّبوا إلى قَلبِه مهما أمكَنَهم، مُظهِرين لإجلالِه، أو أن يؤهِّلَ كُلًّا منهم في بَذلِ مالِه) [7730] ((الأعلام العلية)) (ص: 46). .

انظر أيضا: