موسوعة الأخلاق والسلوك

سادسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ القناعةِ


1- القناعةُ باليسيرِ من الدُّنيا؛ إذ هي دارُ زَوالٍ لا بقاءَ فيها.
2- القناعةُ بالرِّزقِ وإن كان قليلًا؛ فإنَّ غِنى الإنسانِ الحقيقيَّ في قناعتِه بما رزقه اللهُ من حلالٍ طَيِّبٍ، وغنى نفسِه وقَلبِه بعطيَّةِ اللهِ سُبحانَه.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليس الغِنى عن كثرةِ العَرَضِ، ولكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ)) [7668] أخرجه البخاري (6446)، ومسلم (1051). .
قال السَّعديُّ: (فإنَّه ليس الغِنى عن كثرةِ العَرَضِ، إنَّما الغِنى غِنى القَلبِ، فكم من صاحبِ ثروةٍ، وقلبُه فقيرٌ متحَسِّرٌ! وكم من فقيرِ ذاتِ اليَدِ، وقلبُه غنيٌّ راضٍ، قانِعٌ برِزقِ اللهِ! فالحازِمُ إذا ضاقت عليه الدُّنيا لم يجمَعْ على نفسِه بَينَ ضِيقِها وفَقرِها، وبينَ فَقرِ القَلبِ وحَسرتِه وحُزنِه، بل كما يسعى لتحصيلِ الرِّزقِ فلْيَسْعَ لراحةِ القَلبِ، وسُكونِه وطُمَأنينتِه) [7669] ((بهجة قلوب الأبرار)) (ص: 167). .
3- القناعةُ بالصُّورةِ التي خَلَق اللهُ الإنسانَ عليها.
4- القناعةُ باليسيرِ من الطَّعامِ والشَّرابِ دونَ طَلَبِ التَّوسُّعِ في ألوانِ الطَّعامِ والشَّرابِ ولا في قَدرِهما.
5- القناعةُ بما يبقى للإنسانِ إذا تولَّى توزيعَ طعامٍ أو شرابٍ؛ عن أبي قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ساقي القومِ آخِرُهم شُربًا)) [7670] أخرجه مسلم (681). .
قال ابنُ العَرَبيِّ: (هذا أمرٌ ثابتٌ عادةً وشَرعًا، والحكمةُ فيه استحبابُ الإيثارِ، فلمَّا صار في يَدِه استُحِبَّ له أن يُقدِّمَ غيرَه؛ لِما في ذلك من كَرَمِ السِّنخِ [7671] السِّنْخُ: أصلُ كُلِّ شيءٍ. يُنظَر: ((العين)) للخليل بن أحمد (4/200). ، وشَرَفِ السَّليقةِ، وعِزَّةِ القناعةِ، ودَحضِ الجَشَعِ) [7672] ((عارضة الأحوذي)) (8/79). .
6-القناعةُ عندَ السُّؤالِ، بتركِ الطَّمَعِ أو المبالغةِ في الطَّلَبِ.
عن حكيمِ بنِ حزامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعطاني، ثمَّ سألتُه فأعطاني، ثمَّ سألتُه فأعطاني، ثمَّ قال: يا حكيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، فمَن أخَذه بطِيبِ نَفسٍ بورِكَ له فيه، ومَن أخَذه بإشرافِ نَفسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ)) [7673] أخرجه البخاري (1472) واللفظ له، ومسلم (1035). .
 («بورِكَ له فيه» أي: وضَع اللهُ له فيه البركةَ، فينمو ويتكاثَرُ وإنْ كان قليلًا، ورَزَق صاحبَه القناعةَ؛ فأصبح غَنيَّ النَّفسِ، مرتاحَ القَلبِ، وعاشَ به سعيدًا، «ومن أخَذَه بإشرافِ نَفسٍ» أي: بإلحاحٍ وشَرَهٍ وبدونِ طِيبِ نَفسٍ، «لم يبارَكْ له فيه» أي: نَزَع اللهُ منه البركةَ، وسَلَب صاحِبَه القناعةَ؛ فأصبح فقيرَ النَّفسِ دائمًا، ولو أعطيَ كُنوزَ الأرضِ، «وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ»، أي: كالملهوفِ الذي لا يشبَعُ من الطَّعامِ مهما يأكُلُ منه) [7674] ((منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري)) لحمزة محمد قاسم (3/45). .
قال القاضي عياضٌ: (في هذا الحديثِ وغيرِه ذَمُّ الحِرصِ وكثرةِ السُّؤالِ، وكثرةُ عَطاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه كان لا يَرُدُّ سائِلًا، وفضلُ القناعةِ والإجمالِ في الطَّلَبِ) [7675] ((إكمال المعلم)) (3/568). .
7- القناعةُ في الملبَسِ فلا يتطلَّعُ إلى الفاخِرِ منها، غالي الثَّمَنِ.
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((البَذاذةُ من الإيمانِ)) [7676] أخرجه من طُرُقٍ: أبو داود (4161)، وابن ماجه (4118)، وأحمد (58) (39/493) من حديثِ أبي أُمامةَ الحارثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/381)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4161)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4161). .
 قَولُه: («البَذاذةُ» يقالُ: باذُّ الهيئةِ وبَذُّ الهيئةِ، أي: رَثُّ اللُّبسةِ. وقولُه: «من الإيمانِ»؛ فإنَّ الإيمانَ بالآخرةِ ونعيمِها وحُلَلِها وخَساسةِ مَتاعِ الدُّنيا وفنائِها: هو الباعِثُ على الزُّهدِ في الدُّنيا، والاكتفاءِ بأدنى شيءٍ منه) [7677] ((لمعات التنقيح)) (7/355). .
قال القاريُّ: (البَذاذةُ: وهي القناعةُ بالدُّونِ من الثِّيابِ لا تُنافي النَّظافةَ) [7678] ((مرقاة المفاتيح)) (7/ 2784). .
8- القناعةُ بالمستوى الاجتماعيِّ والقُدراتِ المادِّيَّةِ لأسرتِه دونَ التَّسخُّطِ أو التَّذمُّرِ.
9- القناعةُ بما رزَقه اللهُ من زوجةٍ، وتَرْكُ التَّطلُّعِ إلى غيرِها من الأجنبيَّاتِ.

انظر أيضا: