موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالِثَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


هل الفَصاحةُ راجعةٌ إلى الألفاظِ وَحدَها؟
 قال الأبشيهيُّ: (وقد اختلف النَّاسُ في الفَصاحةِ: فمنهم من قال: إنَّها راجعةٌ إلى الألفاظِ دونَ المعاني، ومنهم من قال: إنَّها لا تخصُّ الألفاظَ وَحدَها... وإنْ قُلْنا: إنَّها تشمَلُ اللَّفظَ والمعنى لَزِم من ذلك تسميةُ المعنى بالفصيحِ، وذلك غيرُ مألوفٍ في كلامِ النَّاسِ. والذي أراه في ذلك أنَّ الفصيحَ هو اللَّفظُ الحَسَنُ، المألوفُ في الاستعمالِ، بشَرطِ أن يكونَ معناه المفهومُ منه صحيحًا حسَنًا) [7439] ((المستطرف)) للأبشيهي (ص: 51). .
الجوابُ عن استِشكالِ أعجَميٍّ:
قال ابنُ عطيَّةَ: (فإنِ اعتَرَض أعجَميٌّ بأن يقولَ: من أين يُبَيِّنُ لي هذا الرَّسولُ الشَّريعةَ وأنا لا أفهَمُه؟ قيل له: أهلُ المعرفةِ باللِّسانِ يُعَبِّرون ذلك، وفي ذلك كفايتُك، فإن قال: ومن أين تتبيَّنُ لي المعجِزةُ وأفهَمُ الإعجازَ وأنا لا أفقَهُ اللُّغةَ؟ قيل له: الحُجَّةُ عليك إذعانُ أهلِ الفَصاحةِ والذين كانوا يُظَنُّ بهم أنَّهم قادِرون على المعارَضةِ، وبإذعانِهم قامت الحُجَّةُ على البَشَرِ، كما قامت الحُجَّةُ في مُعجزةِ موسى بإذعانِ السَّحَرةِ، وفي معجِزةِ عيسى بإذعانِ الأطبَّاءِ) [7440] ((المحرر الوجيز)) (3/ 323). .
مقياسُ الفَصاحةِ:
يعتَبِرُ الجاحِظُ أنَّ مقياسَ الفَصاحةِ القرآنُ وكلامُ الأعرابِ؛ إذ فيهما تحقَّقت الفَصاحةُ بأعلى مستوياتِها، فاعتُبِرا المثالَ الأعلى للكلامِ الفصيحِ، فكُلُّ كلامٍ أشبَهَهما عُدَّ فصيحًا، وكُلُّ كلامٍ اختَلَف عنهما نأى عن الفَصاحةِ [7441] مقدمة تحقيق ((البيان والتبيين)) للجاحظ (1/16). .
يقولُ الجاحِظُ: (حدَّثَني أبو سعيدٍ عبدُ الكريمِ بنُ روحٍ قال: قال أهلُ مكَّةَ لمحمَّدِ بنِ المناذِرِ الشَّاعِرِ: ليست لكم -معاشِرَ أهلِ البصرةِ- لُغةٌ فصيحةٌ، إنما الفَصاحةُ لنا أهلَ مكَّةَ. فقال ابنُ المناذِرِ: أمَّا ألفاظُنا فأحكى الألفاظِ للقُرآنِ، وأكثَرُها له مُوافقةً؛ فضَعوا القُرآنَ بعدَ هذا حيثُ شِئتُم!) [7442] ((البيان والتبيين)) (1/40). .
ويُفهَمُ من هذا أنَّ الحُكمَ في الخِلافِ بَيْنَ فصاحةِ لغةِ أهلِ مكَّةَ والبصرةِ إنَّما هو القرآنُ.
وكذلك الحالُ بالنِّسبةِ إلى لغةِ أهلِ الباديةِ التي اعتُبِرت مرجِعًا في الفَصاحةِ.
يقولُ الجاحِظُ: (وشأنُ عبدِ القَيسِ عَجَبٌ؛ وذلك أنَّهم بعدَ محاربةِ إيادٍ تفَرَّقوا فرقتَينِ: ففرقةٌ وقَعَت بعُمانَ وشقِّ عُمانَ، وهم خُطَباءُ العَرَبِ، وفِرقةٌ وَقَعت إلى البَحرَين وشقِّ البحرينِ، وهم من أشعَرِ قَبيلٍ في العَرَبِ، ولم يكونوا كذلك حينَ كانوا في سُرَّةِ الباديةِ وفي مَعدِنِ الفَصاحةِ، وهذا عَجبٌ!) [7443] ((البيان والتبيين)) (1/98). .

انظر أيضا: