موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: فوائِدُ الفَصاحةِ


1- الفَصاحةُ من وسائِلِ تبليغِ الدِّينِ:
الفَصاحةُ وسيلةٌ مُهِمَّةٌ من وسائِلِ تبليغِ دِينِ اللهِ تبارك وتعالى؛ لذا طَلَب موسى عليه السَّلامُ من رَبِّه أن يمُدَّه بأخيه هارونَ عليه السَّلامُ، وعَلَّل ذلك بكونِه أفصَحَ منه لسانًا، فصاحِبُ اللِّسانِ الفصيحِ يَقدِرُ على إبلاغِ حُجَّتِه للنَّاسِ، وإيصالِ الحَقِّ لهم.
وقد قال تعالى: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفَرْقان: 33] ، قال ابنُ باديس: (لنَقتَدِ بالقرآنِ فيما نأتي به من كلامٍ في مقامِ الحِجاجِ، أو مقامِ الإرشادِ، فلْنتوَخَّ دائمًا الحقَّ الثَّابتَ بالبرهانِ أو بالعِيانِ، ولْنُفَسِّرْه أحسَنَ التَّفسيرِ، ولنَشْرَحْه أكمَلَ الشَّرحِ، ولْنُقَرِّبْه إلى الأذهانِ غايةَ التَّقريبِ. وهذا يستدعي صحَّةَ الإدراكِ، وجودةَ الفَهمِ ومتانةَ العِلمِ لتصوُّرِ الحَقِّ ومعرفتِه، ويستدعي حُسنَ البيانِ وعُلومَ اللِّسانِ لتصويرِ الحَقِّ وتجليتِه والدِّفاعِ عنه.
فللاقتداءِ بالقرآنِ في الإتيانِ بالحَقِّ وأحسَنِ بيانٍ، علينا أن نُحصِّلَ هذه كُلَّها، ونتدرَّبَ فيها، ونتمَرَّنَ عليها، حتَّى نَبلُغَ إلى ما قُدِّرَ لنا منها.
هذا ما على أهلِ الدَّعوةِ والإرشادِ، وخِدمةِ الإسلامِ والقرآنِ.
فأمَّا ما على عُمومِ المُسلِمين من هذا الاقتداءِ: فهو دوامُ القصدِ إلى الإتيانِ بالحَقِّ، وبَذلِ الجُهدِ في التَّعبيرِ بأحسَنِ لَفظٍ وأقرَبِه.
ومَن أخلَصَ قَصْدَه في شيءٍ وجَعَله من وَكْدِه أُعينَ -بإذنِ اللهِ تعالى- عليه) [7353] ((مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)) (ص: 183، 184). .
2- القُدرةُ على الدِّفاعِ عن الحُقوقِ:
الفصيحُ أقدَرُ وأجدَرُ في الدِّفاعِ عن حَقِّه، وانتزاعِه من المعتَدين، وذلك إذا كان الميدانُ مَيدانَ حِجاجٍ وكلامٍ، وإذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد ذمَّ من كانت بلاغتُه وبيانُه سببًا في أن يُقضى له بما ليس له بحَقٍّ، فلا شَكَّ أنَّ هذه الفَصاحةَ والبلاغةَ إذا أدَّت إلى الوصولِ للحَقِّ تكونُ حينَئذٍ محمودةً. 
قال المُناويُّ في شَرحِ حَديثِ: ((ولعَلَّ بعضَكم أن يكونَ ألحَنَ بحُجَّتِه من بعضٍ)) [7354] رواه البخاري (6967)، ومسلم (1713) مطوَّلًا من حديثِ أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها. ، قال: (ألحَنَ -بفَتحِ الحاءِ-: الفَطانةُ، أي: أبلَغَ وأفصَحَ، وأعلَمَ في تقريرِ مَقصودِه، وأفطَنَ ببيانِ دليلِه، وأقدَرَ على البرهنةِ على دَفعِ دعوى خَصمِه، بحيثُ يَظُنُّ أنَّ الحَقَّ معه) [7355] ((فيض القدير)) (2/564). .
3- الفَصاحةُ من وسائِلِ التَّأثيرِ في المُستَمِعِ:
ومن فوائِدِ الفَصاحةِ أنَّها تدعو السَّامِعَ للعَمَلِ بالكلامِ الذي يسمَعُه؛ قال ابنُ عُثَيمين: (ينبغي صياغةُ الكلامِ بما يحمِلُ على العَمَلِ به؛ لأنَّ من الفَصاحةِ صياغةَ الكلامِ بما يَحمِلُ على العَمَلِ به) [7356] ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 164). .
وإنَّ ذا الفَصاحةِ يستطيعُ تمثيلَ المُسلِمين في المحافِلِ والاجتِماعاتِ دونَ خَوفٍ أو خَجَلٍ، ويستطيعُ أن يتكَلَّمَ بما يُمليه عليه دِينُه، ويكونَ صاحِبَ كَلِمةٍ مسموعةٍ، تهفو إليه الأرواحُ، وتشرَئِبُّ إليه الأعناقُ [7357] تشرئِبُّ: اشرأَبَّ: ارتَفَع وعلا، وكُلُّ رافعٍ رأسَه: مُشرَئِبٌّ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/493). ، وتتطَلَّعُ إليه قلوبُ المُؤمِنين إذا تكلَّم أو خَطَب، فيكونُ حالُه كما قال سَحبانُ:
لقد عَلِم الحَيُّ اليمانون أنَّني
إذا قُلتُ أمَّا بعدُ أنِّي خَطيبُها [7358] يُنظَر: ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (2/ 119). .
4- معرفةُ الفَصاحةِ وسيلةٌ لمعرفةِ إعجازِ القُرآنِ:
يقولُ أبو هِلالٍ العَسكريُّ: (أحَقُّ العُلومِ بالتَّعلُّمِ، وأولاها بالتَّحفُّظِ -بعدَ المعرفةِ باللهِ جَلَّ ثناؤُه- عِلمُ البلاغةِ، ومَعرِفةُ الفَصاحةِ، الذي به يُعرَفُ إعجازُ كِتابِ اللهِ تعالى، النَّاطِقِ بالحَقِّ، الهادي إلى سَبيلِ الرُّشدِ، المدلولِ به على صِدقِ الرِّسالةِ وصِحَّةِ النَّبوَّةِ التي رفَعَت أعلامَ الحَقِّ، وأقامت منارَ الدِّينِ، وأزالت شُبَهَ الكُفرِ ببراهينِها، وهتَكَت حُجُبَ الشَّكِّ بيقينِها، وقد عَلِمْنا أنَّ الإنسانَ إذا أغفَل عِلمَ البلاغةِ، وأخَلَّ بمعرفةِ الفَصاحةِ، لم يقَعْ عِلمُه بإعجازِ القرآنِ من جهةِ ما خصَّه اللهُ به من حُسنِ التَّأليفِ، وبراعةِ التَّركيبِ، وما شَحَنه به من الإيجازِ البديعِ، والاختصارِ اللَّطيفِ، وضَمَّنَه من الحلاوةِ، وجَلَّلَه من رونقِ الطَّلاوةِ، مع سهولةِ كَلِمِه وجزالتِها، وعذوبتِها وسلاستِها، إلى غيرِ ذلك من محاسِنِه التي عَجَز الخَلقُ عنها، وتحيَّرت عُقولُهم فيها) [7359] ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) (1-2). .
5- من أفضَلِ وسائِلِ إعانةِ المرءِ على الإبانةِ والإفصاحِ عن مرادِه.
6- لها أثرٌ كبيرٌ في تجليةِ الحقائِقِ ووَصفِ الوقائِعِ.
7- من أسبابِ رَفعِ مكانةِ صاحِبِها وعُلُوِّ منزلتِه عِندَ النَّاسِ.

انظر أيضا: