موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ الفَصاحةِ والبلاغةِ والبيانِ والبراعةِ


قال الهاشميُّ: (يرى الإمامُ عبدُ القاهِرِ الجُرْجانيُّ وجمعٌ من المتقَدِّمين أنَّ الفَصاحةَ والبلاغةَ والبيانَ والبراعةَ ألفاظٌ مُترادِفةٌ، لا تتَّصِفُ بها المفرداتُ، وإنما يوصَفُ بها الكلامُ بعدَ تحرِّي معاني النَّحوِ فيما بَيْنَ الكَلِمِ حَسَبَ الأغراضِ التي يُصاغُ لها.
وقال أبو هِلالٍ العَسكَريُّ في كتابِ (الصِّناعتَينِ): (الفَصاحةُ والبلاغةُ ترجِعانِ إلى معنًى واحدٍ، وإن اختلَف أصلُهما؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهما إنما هو الإبانةُ عن المعنى، والإظهارُ له. وقال الرَّازيُّ في «نهاية الإيجاز»: وأكثَرُ البُلَغاءِ لا يكادون يُفَرِّقون بَيْنَ الفَصاحةِ والبلاغةِ. وقال الجوهريُّ في كتابِه «الصَّحاح»: الفَصاحةُ هي البلاغةُ) [7317] ((جواهر البلاغة)) (ص: 17). ويُنظَر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) للعسكري (ص: 7)، ((الصحاح)) للجوهري (4/1316)، ((دلائل الإعجاز)) لعبد القاهر الجرجاني (1/ 43)، ((نهاية الإيجاز)) للرازي (ص: 34). .
وأمَّا مَن يذهَبُ إلى التَّفريقِ بَيْنَ الفَصاحةِ والبلاغةِ فيرى (أنَّ الفَصاحةَ مقصورةٌ على وَصفِ الألفاظِ، والبلاغةَ لا تكونُ إلَّا وصفًا للألفاظِ مع المعاني. لا يُقالُ في كَلِمةٍ واحدةٍ -لا تدُلُّ على معنًى يَفضُلُ عن مِثلِها- بليغةٌ، وإن قيل فيها: إنَّها فصيحةٌ. وكُلُّ كلامٍ بليغٍ فصيحٌ، وليس كُلُّ فصيحٍ بليغًا، كالذي يقعُ فيه الإسهابُ في غيرِ مَوضِعِه) [7318] ((سر الفصاحة)) للخفاجي (ص: 59). .
كذلك من وجوهِ التَّفريقِ بَيْنَهما عِندَ أصحابِ هذا القولِ أنَّ (البلاغةَ هي: أن يبلُغَ المُتكَلِّمُ بعبارتِه كُنْهَ مُرادِه، مع إيجازٍ بلا إخلالٍ، وإطالةٍ من غيرِ إملالٍ. والفَصاحةُ خُلوصُ الكلامِ من التَّعقيدِ. وقيل: البلاغةُ في المعاني، والفَصاحةُ في الألفاظِ، فيُقالُ: لفظٌ فصيحٌ ومعنًى بليغٌ. والفَصاحةُ خاصَّةً تقعُ في المفرَدِ، يُقالُ: كَلِمةٌ فصيحةٌ، ولا يُقالُ: كَلِمةٌ بليغةٌ، وأنت تريدُ المفردَ؛ فإنَّه يُقالُ للقصيدةِ كَلِمةٌ، كما قالوا: كَلِمةُ لَبيدٍ. ففصاحةُ المفرَدِ خُلوصُه من تنافُرِ الحروفِ، والفَصاحةُ أعَمُّ من البلاغةِ؛ لأنَّ الفَصاحةَ تكونُ صِفةً للكَلِمةِ والكلامِ، يُقالُ: كَلِمةٌ فصيحةٌ، وكلامٌ فصيحٌ. والبلاغةُ لا يوصَفُ بها إلَّا الكلامُ، فيُقالُ: كلامٌ بليغٌ، ولا يُقالُ: كَلِمةٌ بليغةٌ. واشتركا في وصفِ المُتكَلِّمِ بهما، فيُقالُ: مُتكَلِّمٌ فصيحٌ بليغٌ) [7319] ((خزانة الأدب وغاية الأرب)) لابن حجة الحموي (2/414). .

انظر أيضا: