موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: صُوَرُ الغَيْرةِ


1- الغَيْرةُ للهِ سُبحانَه وتعالى:
ومِن صُوَرِ هذه الغَيْرةِ:
- الغَيْرةُ لدينِ اللهِ:
فالمُسلِمُ يَغارُ أن تؤتى المعاصي، أو أن تُنتهَكَ المحارِمُ، ومن الغَيْرةِ لدينِ اللهِ القيامُ بشعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَر؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن رأى منكم مُنكَرًا فلْيُغَيِّرْه بيَدِه، فإنْ لم يستطِعْ فبلسانِه، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ)) [7131] رواه مسلم (49) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
- الفَرَحُ بزوالِ الظُّلمِ والظَّلَمةِ:
إنَّ المُسلِمَ الغَيُورَ لَيفرَحُ إذا أُزيلَ مُنكَرٌ، وقُمِعَت فاحِشةٌ، وأُخمِدَت فتنةٌ، كيف لا، ورَبُّنا يقولُ: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور: 19] .
(بل إنَّ الفَرَحَ بما يُصيبُ النَّاسَ مِن البلاءِ وإن كان مذمومًا، فإنَّه حينَ يكونُ لإصابةِ مُفسِدٍ أو ظالمٍ ببلاءٍ يمنَعُه من فسادِه وظُلمِه، ويجعَلُه لغَيرِه من الظَّلَمةِ عِبرةً، فلا يكونُ مذمومًا، بل غَيْرةٌ في الدِّينِ، والغَيْرةُ من الإيمانِ، ففَرَحُه حينَئذٍ بزوالِ الفَسادِ والظُّلمِ، لا بإصابةِ البلاءِ والمصيبةِ، كما ذكَرَه بعضُ العُلَماءِ) [7132] ((الغيرة على المرأة)) لعبد الله المانع (ص: 72). . وكيف لا يفرَحُ المُسلِمُ إذا رأى الظَّلَمةَ والمُستَبِدِّين يزولون ويتساقَطون كأوراقِ الخَريفِ؟!
2- الغَيْرةُ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
يجِبُ على كُلِّ مُسلِمٍ أن يَغارَ لرَسولِه الكريمِ إذا أسيءَ إليه، فيدافِعَ عنه، ويَذُبَّ عن عِرضِه، وينصُرَه بما يستطيعُ.
3- غَيْرةُ الرَّجُلِ على أهلِه:
قال النَّوَويُّ: (والرَّجُلُ غَيُورٌ على أهلِه، أي: يمنَعُهم من التَّعلُّقِ بأجنبيٍّ بنَظَرٍ أو حديثٍ أو غيرِه) [7133] ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (10/132). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا الغَيْرةُ على المحبوبِ فهي أنَفةُ المحِبِّ وحميَّتُه أن يشارِكَه في محبوبِه غيرُه) [7134] ((روضة المحبين)) (ص: 347). .
ومِن صُوَرِ الغَيْرةِ على الأهلِ ألَّا يأذَنَ لهُنَّ بمُخالطةِ الأجانِبِ وألَّا يُعَرِّضَهنَّ للفِتنةِ والرِّيبةِ.
أقسامُ النَّاسِ في الغَيْرةِ على محارِمِ اللهِ:
عَدَّ ابنُ تَيميَّةَ أقسامَ النَّاسِ في الغَيْرةِ على محارِمِ اللهِ بَعدَ أن بَيَّنَ الغَيْرةَ التي يحبُّها اللهُ، والغَيْرةَ التي يُبغِضُها اللهُ، فقال: (وهنا انقَسَم بنو آدَمَ أربعةَ أقسامٍ:
1- قَومٌ لا يَغارونَ على حُرُماتِ اللهِ بحالٍ، ولا على حُرَمِها، مِثلُ: الدَّيُّوثِ والقوَّادِ وغيرِ ذلك، ومِثلُ أهلِ الإباحةِ الذين لا يُحَرِّمون ما حَرَّم اللهُ ورسولُه، ولا يَدينون دينَ الحَقِّ، ومنهم من يجعَلُ ذلك سلوكًا وطريقًا وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف: 28] .
2- وقَومٌ يَغارونَ على ما حَرَّمه اللهُ وعلى ما أمَرَ به ممَّا هو من نوعِ الحُبِّ والكُرهِ، يجعَلون ذلك غَيْرةً، فيَكرَهُ أحَدُهم من غيرِه أمورًا يحِبُّها اللهُ ورسولُه، ومنهم من جَعَل ذلك طريقًا ودينًا، ويجعَلون الحَسَدَ والصَّدَّ عن سبيلِ اللهِ وبُغضَ ما أحبَّه اللهُ ورسولَه غَيْرةً!
3- وقَومٌ يَغارونَ على ما أمَرَ اللهُ به دونَ ما حَرَّمه، فنراهم في الفواحِشِ لا يُبغِضونها ولا يَكرَهونها، بل يُبغِضون الصَّلَواتِ والعباداتِ، كما قال تعالى فيهم: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59] .
4- وقَومٌ يَغارونَ ممَّا يَكرَهُه اللهُ، ويُحبُّون ما يحِبُّه اللهُ، هؤلاء هم أهلُ الإيمانِ) [7135] ((الاستقامة)) لابن تيمية (2/10). .

انظر أيضا: