موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: أقسامُ الغَيْرةِ


أوَّلًا: أقسامُ الغَيْرةِ من حيثُ كونُها غَيْرةً للمَحبوبِ أو عليه
قسَّم ابنُ القَيِّمِ الغَيْرةَ إلى نوعَينِ: (غَيْرةٌ للمَحبوبِ، وغَيْرةٌ عليه.
1- فأمَّا الغَيْرةُ له: فهي الحَميَّةُ له، والغَضَبُ له إذا استُهينَ بحَقِّه وانتُقِصَت حُرمتُه، وناله مكروهٌ من عَدُوِّه؛ فيَغضَبُ له المحِبُّ ويَحْمَى، وتأخُذُه الغَيْرةُ له بالمبادرةِ إلى التَّغييرِ، ومحاربةِ مَن آذاه، فهذه غَيْرةُ المحِبِّين حقًّا، وهي من غَيْرةِ الرُّسُلِ وأتباعِهم للهِ ممَّن أشرَك به، واستحَلَّ محارِمَه، وعصى أمرَه، وهذه الغَيْرةُ هي التي تحمِلُ على بَذلِ نَفسِ المحِبِّ ومالِه وعِرضِه لمحبوبِه؛ حتَّى يزولَ ما يَكرَهُه، فهو يَغارُ لمحبوبِه أن تكونَ فيه صِفةٌ يَكرَهُها محبوبُه ويَمقُتُه عليها، أو يفعَلُ ما يُبغِضُه عليه، ثمَّ يَغارُ له بعدَ ذلك أن يكونَ في غيرِه صِفةٌ يَكرَهُها ويُبغِضُها، والدِّينُ كُلُّه في هذه الغَيْرةِ، بل هي الدِّينُ، وما جاهَد مُؤمِنٌ نفسَه وعَدُوَّه، ولا أمرَ بمعروفٍ ولا نهى عن مُنكَرٍ إلَّا بهذه الغَيْرةِ، ومتَّى خلت من القَلبِ خلا من الدِّينِ؛ فالمُؤمِنُ يَغارُ لرَبِّه من نفسِه ومِن غيرِه إذا لم يكُنْ له كما يحِبُّ، والغَيْرةُ تُصَفِّي القلبَ، وتخرِجُ خَبَثَه كما يُخرِجُ الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ.
2- وأمَّا الغَيْرةُ على المحبوبِ فهي: أنَفةُ المحِبِّ وحمِيَّتُه أن يُشارِكَه في محبوبِه غيرُه. وهذه أيضًا نوعانِ: غَيْرةُ المحِبِّ أن يشارِكَه غيرُه في محبوبِه، وغَيْرةُ المحبوبِ على محبِّه أن يحِبَّ معه غيرَه) [7127] ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) لابن قيم (ص: 347). .
ثانيًا: أقسامُ الغَيْرةِ من حيثُ كَونُها محمودةً أو مذمومةً
قال ابنُ القَيِّمِ: (وغَيْرةُ العَبدِ على محبوبِه نوعانِ:
1- غَيْرةٌ ممدوحةٌ يُحِبُّها اللهُ.
2- وغَيْرةٌ مذمومةٌ يَكرَهُها اللهُ.
فالتي يحبُّها اللهُ: أن يَغارَ عِندَ قيامِ الرِّيبةِ.
والتي يَكرَهُها: أن يَغارَ مِن غيرِ رِيبةٍ، بل مِن مجَرَّدِ سُوءِ الظَّنِّ، وهذه الغَيْرةُ تُفسِدُ المحبَّةَ، وتوقِعُ العداوةَ بَيْنَ المحِبِّ ومحبوبِه) [7128] ((روضة المحبين)) (ص: 297). .
(وكما يجِبُ على الرَّجُلِ أن يَغارَ على زوجتِه وعِرضِه؛ فإنَّه يُطلَبُ منه الاعتدالُ في الغَيْرةِ، فلا يبالِغْ فيها حتَّى يسيءَ الظَّنَّ بزوجتِه، ولا يُسرِفْ في تقَصِّي حَرَكاتِها وسَكَناتِها؛ لئلَّا ينقَلِبَ البَيتُ نارًا، وإنَّما يصِحُّ ذلك إن بدت أسبابٌ حقيقيَّةٌ تستدعي الرِّيبةَ) [7129] ((خلق المُؤمِن)) لمصطفى مراد (ص: 109). .
وقد ((نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَطرُقَ الرَّجُلُ أهلَه ليلًا يتخَوَّنُهم، أو يلتَمِسُ عَثَراتِهم)) [7130] رواه البخاري (1801)، ومسلم (715) واللفظ له. .

انظر أيضا: