موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


1- يُستحَبُّ لِمن عزَم على إمضاءِ أمرٍ أن يترُكَ ما عزَم عليه إذا تبيَّن له أنَّ الخيرَ في خلافِ ما عزَم عليه؛ قال أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((كنَّا قعودًا حولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، معنا أبو بكرٍ وعُمَرُ في نَفَرٍ، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من بَيْنِ أظهُرِنا، فأبطأ علينا، وخَشِينا أن يُقتَطَعَ دُونَنا، وفَزِعْنا، فقُمْنا، فكنتُ أوَّلَ من فَزِع، فخرجتُ أبتغي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى أتيتُ حائطًا للأنصارِ لبني النَّجَّارِ، فدُرتُ به هل أجِدُ له بابًا، فلم أجِدْ، فإذا ربيعٌ يدخُلُ في جوفِ حائطٍ من بئرِ خارجةَ -والرَّبيعُ الجَدولُ- فاحتفَزْتُ، فدخلتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أبو هُرَيرةَ؟ فقلتُ: نعم، يا رسولَ اللهِ، قال: ما شأنُك؟ قلتُ: كنتَ بَيْنَ أظهُرِنا، فقُمتَ فأبطَأْتَ علينا، فخَشِينا أن تُقتَطَعَ دُونَنا، ففَزِعْنا، فكنتُ أوَّلَ من فَزِع، فأتيتُ هذا الحائِطَ، فاحتفَزتُ كما يحتَفِزُ الثَّعلبُ، وهؤلاء النَّاسُ ورائي، فقال: يا أبا هُرَيرةَ، وأعطاني نعْلَيه، قال: اذهَبْ بنعلَيَّ هاتينِ، فمَن لَقِيتَ مِن وراءِ هذا الحائِطِ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مستيقنًا بها قَلبُه، فبَشِّرْه بالجنَّةِ، فكان أوَّلَ من لَقِيتُ عُمَرُ، فقال: ما هاتان النَّعلانِ يا أبا هُرَيرةَ؟ فقُلتُ: هاتان نعلا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بعثني بهما، مَن لَقِيتُ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مستيقِنًا بها قَلبُه، بشَّرْتُه بالجنَّةِ. فضَرَب عُمَرُ بيَدِه بَيْنَ ثَدْيَيَّ فخَرَرْتُ لِاسْتي! فقال: ارجِعْ يا أبا هُرَيرةَ، فرجَعْتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأجهَشْتُ بكاءً، ورَكِبَني عُمَرُ، فإذا هو على أثَري، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما لك يا أبا هُرَيرةَ؟ قُلتُ: لَقِيتُ عُمَرَ، فأخبَرْتُه بالذي بعَثْتَني به، فضرب بَيْنَ ثَديَيَّ ضربةً خرَرْتُ لِاسْتي، قال: ارجِعْ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عُمَرُ، ما حمَلَك على ما فعَلْتَ؟! قال: يا رسولَ اللهِ، بأبي أنتَ وأمي! أبعَثْتَ أبا هُرَيرةَ بنَعْليك، من لَقِي يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مُستيقِنًا بها قَلبُه بَشَّره بالجنَّةِ؟ قال: نعَمْ، قال: فلا تفعَلْ؛ فإنِّي أخشى أن يتَّكِلَ النَّاسُ عليها، فخَلِّهم يعمَلون! قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فخَلِّهم)) [6705]أخرجه مسلم (31). .
2- العَزمُ على تَركِ الذَّنبِ من شُروطِ قَبولِ التَّوبةِ؛ فالتَّوبةُ واجبةٌ من كُلِّ ذنبٍ، ولها ثلاثةُ شُروطٍ، ومنها العَزمُ على عَدَمِ العودةِ للذَّنبِ أبدًا [6706] يُنظر: ((رياض الصالحين)) للنووي (1/22). . قال أبو حازمٍ: (إذا عزَم العبدُ على تركِ الآثامِ أَمَّه الفُتوحُ) [6707]رواه ابنُ أبي الدنيا في ((الإخلاص والنية)) (14)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (3/230)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/62). .
3- قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115] .
قال ابنُ الجوزيِّ: (قولُه تعالى: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا... في المعنى أربعةُ أقوالٍ:
أحدُها: لم نجِدْ له حِفظًا، رواه العَوفيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ، والمعنى: لم يحفَظْ ما أُمِرَ به.
والثَّاني: صبرًا، قاله قتادةُ ومقاتِلٌ، والمعنى: لم يصبِرْ عمَّا نُهيَ عنه.
والثَّالِثُ: حَزمًا، قاله ابنُ السَّائبِ. قال ابنُ الأنباريِّ:... إنَّما لم يكُنْ له عزمٌ في الأكلِ فحَسْبُ.
والرَّابعُ: عزمًا في العَودِ إلى الذَّنبِ) [6708]((زاد المسير)) (3/179). .
وقال الرَّازيُّ: (قَولُه: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا يحتَمِلُ: ولم نجِدْ له عزمًا على القيامِ على المعصيةِ، فيكونُ إلى المدحِ أقرَبَ، ويحتَمِلُ أن يكونَ المرادُ: ولم نجِدْ له عزمًا على تركِ المعصيةِ، أو لم نجِدْ له عزمًا على التَّحفُّظِ والاحترازِ عن الغَفلةِ، أو لم نجِدْ له عزمًا على الاحتياطِ في كيفيَّةِ الاجتهادِ؛ إذا قُلْنا: إنَّه عليه السَّلامُ إنَّما أخطأ بالاجتِهادِ) [6709]((مفاتيح الغيب)) (22/106). .
4- العَزمُ على المعصيةِ:
(حديثُ النَّفسِ والوِسواسُ لا يدخُلُ تحتَ طَوقِ العَبدِ، وإنَّما غايةُ قُدرتِه أن يُعرِضَ عنه، ولو حدَّث نفسَه بمعصيةٍ لم يؤاخَذْ، فإذا عزم خرج عن تحديثِ النَّفسِ ويصيرُ من أعمالِ القلبِ، فإن عَقَد النِّيَّةَ على الفِعلِ فحينَئذٍ يأثَمُ بنيَّةِ الشَّرِّ، وبيانُ الفَرْقِ بَيْنَ النَّيَّةِ والعَزمِ أنَّه لو حدَّث نفسَه في الصَّلاةِ بقَطعِها لم تنقَطِعْ، فإذا عزَم حكَمْنا بقَطْعِها) [6710]((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (16/ 166). .
فمَن عَزَم على المعصيةِ بقَلبِه ووطَّن عليها نَفسَه آثِمٌ فى اعتقادِه وعَزمِه، وعامَّةُ السَّلَفِ وأهلِ العِلمِ من الفُقَهاءِ والمحَدِّثين والمتكَلِّمين على ذلك [6711]يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (1/ 424). . بخلافِ الهَمِّ دونَ العَزمِ؛ فإنَّه معفوٌ عنه [6712]((مختصر سنن أبي داود)) للمنذري (3/ 110). .
قال ابنُ علَّانَ: (واعلَمْ أنَّ ما يقَعُ في النَّفسِ من قَصدِ المعصيةِ على خمسِ مراتبَ: الأُولى: الهاجِسُ، وهو ما يُلقَى فيها. ثمَّ جَرَيانُه فيها، وهو الخاطِرُ. ثمَّ حديثُ النَّفسِ، وهو ما يقَعُ فيها من التَّردُّدِ: هل يفعَلُ أو لا. ثمَّ الهَمُّ، وهو قصدُ ترجيحِ الفِعلِ. ثمَّ العَزمُ، وهو قوَّةُ ذلك القصدِ والجَزمُ به. فالهاجِسُ لا يؤاخَذُ به إجماعًا؛ لأنَّه ليس مِن فِعلِه، وإنَّما هو شيءٌ طرَقَه قَهرًا عليه، وما بَعدَه من الخاطرِ وحديثِ النَّفسِ وإن قدَرَ على دَفْعِهما مرفوعانِ بالحديثِ الصَّحيحِ، أي: وهو قولُه: ((إنَّ اللهَ تجاوَزَ عن أمَّتي ما حَدَّثَت به أنفُسَها ما لم تتكَلَّمْ به)) أي: في المعاصي القَوليَّةِ ((أو تعمَلْ به)) أي: في المعاصي الفِعليَّةِ؛ لأنَّ حديثَها إذا ارتَفَع فما قَبلَه أَولى، وهذه المراتِبُ لا أجرَ فيها في الحَسَناتِ أيضًا؛ لعَدَمِ القَصدِ. وأمَّا الهَمُّ فقد بَيَّنَ الحديثُ الصَّحيحُ أنَّه بالحَسَنةِ يُكتَبُ حَسَنةً، وبالسَّيِّئةِ لا يُكتَبُ سَيِّئةً، ثمَّ يُنظَرُ فإن ترَكَه كُتِب حَسَنةً، وإنْ فعَلَه كُتِبَت سيِّئةً واحدةً، والأصَحُّ في معناه: أن يُكتَبَ عليه الفِعلُ وَحدَه، وهو معنى قَولِه: واحِدةً، وإنَّ الهَمَّ مرفوعٌ، ... وأمَّا العَزمُ فالمحَقِّقون على أنَّه يؤاخَذُ به) [6713]((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (1/83). .
5- عَلاماتُ عالي الهمَّةِ:
هذه بَعضُ العَلاماتِ على صاحِبِ الهمَّةِ العاليةِ، نَذكُرُها مُختَصَرةً:
- الزُّهدُ في الدُّنيا.
- المُسارَعةُ في الخَيراتِ والتَّنافُسُ في الصَّالحاتِ.
- التَّطَلُّعُ إلى الكَمالِ والتَّرَفُّعُ عنِ النَّقصِ.
- التَّرَفُّعُ عن مُحَقَّراتِ الأُمورِ وصَغائِرِها، ونِشدانُ مَعالي الأُمورِ وكَمالاتِها.
- الأخذُ بالعَزائِمِ.
- الاستِدراكُ على ما فاتَ.
- أداءُ الواجِباتِ وتَحَمُّلُ المسؤوليَّاتِ.
- الاهتِمامُ بواقِعِ الأُمَّةِ والسَّعيُ لإصلاحِه.
- حُسنُ إدارةِ الأوقاتِ.

انظر أيضا: