موسوعة الأخلاق والسلوك

ز- نماذِجُ أُخرى في الصَّبرِ


قال الأصمَعيُّ: خَرَجتُ أنا وصَديقٌ لي إلى الباديةِ، فضَلَلْنا الطَّريقَ، فإذا نحن بخَيمةٍ عن يمينِ الطَّريقِ، فقَصَدْناها، فسَلَّمْنا، فإذا امرَأةٌ تَرُدُّ عَلينا السَّلامَ، قالت: ما أنتم؟ قُلنا: قَومٌ ضالُّونَ عنِ الطَّريقِ، أتَيناكم فأنِسْنا بكم، فقالت: يا هؤلاء ولُّوا وُجوهَكم عنِّي حتَّى أقضيَ مِن حَقِّكم ما أنتم له أهلٌ، ففعَلْنا، فألقَت لنا مِسحًا [5664] المِسحُ: ثوبٌ من الشَّعرِ غَليظٌ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (7/ 122). ، فقالت: اجلِسوا عليه إلى أن يأتيَ ابني، ثُمَّ جَعَلت تَرفعُ طَرَفَ الخَيمةِ وتَرُدُّها، إلى أن رفعَتْها، فقالت: أسألُ اللهَ بَرَكةَ المُقبِلِ، أمَّا البَعيرُ فبَعيرُ ابني، وأمَّا الرَّاكِبُ فليس بابني، فوقَف الرَّاكِبُ عليها، فقال: يا أمَّ عَقيلٍ، أعظَمَ اللهُ أجَرَك في عَقيلٍ! قالت: ويحكَ! ماتَ ابني؟ قال: نعم، قالت: وما سَبَبُ مَوتِه؟ قال: ازدَحَمَت عليه الإبلُ، فرَمَت به في البئرِ، فقالت: انزِلْ فاقضِ ذِمامَ [5665] الذِّمامُ: الحَقُّ والحُرمةُ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (32/ 205). القومِ، ودَفَعَت إليه كبشًا، فذَبَحَه وأصلحَه، وقَرَّب إلينا الطَّعامَ، فجَعَلْنا نَأكُلُ ونَتَعَجَّبُ مِن صَبرِها، فلمَّا فرَغْنا خَرَجَت إلينا وقد تَكوَّرَت، فقالت: يا هؤلاء، هل فيكم من أحَدٍ يُحسِنُ مِن كِتابِ اللهِ شَيئًا؟ قُلتُ: نعم، قالت: اقرَأْ مِن كِتابِ اللهِ آياتٍ أتعَزَّى بها، قُلتُ: يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ في كِتابِه: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155 - 157] قالت: آللهِ، إنَّها لفي كِتابِ اللهِ هكذا؟ قُلتُ: آللهِ، إنَّها لفي كِتابِ اللهِ هَكذا! قالت: السَّلامُ عليكم، ثُمَّ صَفَّت قدَمَيها، وصَلَّت رَكعاتٍ، ثُمَّ قالت: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ، عِندَ اللهِ أحتَسِبُ عَقيلًا! تَقولُ ذلك ثَلاثًا، اللَّهمَّ إنِّي فعَلتُ ما أمَرتَني به، فأنجِزْ لي ما وعَدْتَني [5666] ((تسلية أهل المصائب)) للمنبجي (ص: 142). .

انظر أيضا: